من عقل حتى تتكون الأفلاك بأجرامها ونفوسها وعقولها, وينتهي بالفلك الأخير، ويقف حيث يمكن أن تحدث الجواهر العقلية منقسمة متكثرة بالعدد، لتكثر الأسباب. فكل عقل هو أعلى في المرتبة، فإنه لمعني فيه، وهو أنه بما يعقل الأول يجب عنه وجود عقل آخر دونه. وبما يعقل ذاته يجب عنه فلك بنفسه، فأما جرم الفلك فمن حيث إنه يعقل بذاته الممكن لذاته. وأما نفس الفلك فمن حيث إنه يعقل ذاته الواجب بغيره. ويستبقي الجرم بتوسط النفس الفلكية. فإن كل صورة فهي علة لكون مادتها بالفعل. والمادة بنفسها لا قوام لها، كما أن الإمكان نفسه لا وجود له. وإذا استوفت الكرات السماوية عددها لزم بعدها وجود الأسطقساط ولما كانت الأجسام الأسطقسية كائنة فاسدة, وجب أن يكون مبادؤها متغيرة، فلا يكون ما هو عقل محض وحده سببا لوجودها.
ولما كانت لها مادة مشتركة وصور مختلفة فيها وجب أن يكون اختلاف صورها مما تعين فيه اختلاف في أحوال الأفلاك، واتفاق مادتها مما تعين فيه اتفاق في أحوال الأفلاك، فالأفلاك لما اتفقت في طبيعة اقتضاء الحركة المستديرة كما تبين كان مقتضاها وجود المادة، ولما اختلفت في أنواع الحركات كان مقتضاها تهيؤ المادة للصور المختلفة. ثم إن العقول المفارقة بل آخرها الذي يلينا هو الذي يفيض عنه بمشاركة الحركات السماوية شئ فيه رسم صور العالم الأسفل من جهة الانفعال، كما أن في ذلك العقل رسم الصور على جهة الفعل، ثم يفيض منه الصور فيها بالتخصيص بمشاركة الأجرام السماوية، فيكون إذا خصص هذا الشيء تأثير من التأثيرات السماوية بلا واسطة جسم عنصري، أو بواسطة تجعله على استعداد خاص به بعد العام الذي كان في جوهره: فاض عن هذا المفارق صورة خاصة. وارتسمت في تلك المادة. وأنت تعلم أن الواحد لا يخصص الواحد من حيث كل واحد منهما واحد بأمر دون أمر يكون له إلا أن يكون هناك مخصصات مختلفة، وهي معدات المادة. والمعد هو الذي يحدث منه في المستعد أمر ما تصير مناسبته لشيء بعينه أولي من مناسبته لشيء آخر، ويكون هذا الإعداد مرجحا لوجود ما هو أولي منه من