للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كان الأمر كذلك لم تكن حركة مستديرة عن طبيعة، وإلا كانت عن حال غير طبيعية إلى حال طبيعية إذا وصلت إليها سكنت، ولم يجز أن يكون فيها بعينها قصد إلى تلك الحالة الغير الطبيعية، لأن الطبيعة ليست تفعل باختيار, بل على سبيل التسخير، فإن كانت الطبيعة تحرك على الاستدارة فهي تحرك لا محالة, إما عن أين غير طبيعي، أو وضع غير طبيعي هربا طبيعيا عنه، وكل هرب طبيعي عن شيء فمحال أن يكون هو بعينه قصدا طبيعيا إليه, والحركة المستديرة ليست تهرب عن شيء إلا وتفصده فليست إذن طبيعية، إلا أنها قد تكون بالطبع، وإن لم تكن قوة طبيعية كانت شيئا بالطبع، وإنما تحرك بتوسط الميل الذي فيه. ونقول إن الحركة معنى متجدد السبب، وكل شطر منه مختص بسبب، فإنه لا ثبات له, ولا يجوز أن يكون عن معنى ثابت ألبتة وحده، ولو كان فيجب أن يلحقه ضرب من تبدل الأحوال، فالثابت من جهة ما هو ثابت لا يكون عنه إلا ثابت، فالإرادة العقلية الواحدة لا توجب ألبتة حركة، فإنها مجردة عن جميع أصناف التغير، والقوة العقلية حاضرة المعقول دائما، ولا يفرض فيها الانتقال من معقول إلى معقول إلا مشاركا للتخيل والحس، فلا بد للحركة من مبدإ قريب, والحركة المستديرة مبدؤها القريب نفس في الفلك تتجدد تصوراتها وإراداتها، وهي كمال جسم الفلك وصورته، ولو كانت قائمة بنفسها من كل وجه لكانت عقلا محضا لا يتغير ولا ينتقل، ولا يخالط ما بالقوة، بل نسبتها إلى الفلك نسبة النفس الحيوانية التي لنا إلينا، إلا أن لها أن تعقل بوجه ما تعقلا مشوبا بالمادة. وبالجملة أوهامها أو ما يشبه الأوهام صادقة، وتخيلاتها أو ما يشبه التخيلات حقيقية، كالفعل العقلي فينا، والمحرك الأول لها غير مادي أصلا، وإنما تتحرك عن قوة غير متناهية، والقوة التي للنفس متناهية لكنها بما تعقل الأول فيسيح عليها نوره دائما صارت قوتها غير متناهية، فكانت الحركات المستديرة أيضا غير متناهية. والأجرام السماوية لما لم يبق في جوهرها أمر ما بالقوة أعني في كمها وكيفها تركبت صورتها في مادتها على وجه لا يقبل التحليل، ولكن عرض لها في وضعها وأينها ما بالقوة، إذ ليس شيء من أجزاء مدار

<<  <  ج: ص:  >  >>