تفضي إلى حركات. فالحركات كالصلوات وما في معناها، وأعدام الحركات كالصيام ونحوه، وإن لم يكن لهم هذه المذكرات تناسوا جميع ما دعاهم إليه مع انقراض قرن أو قرنين. وينفعهم ذلك أيضا في المعاد منفعة عظيمة، فإن السعادة في الآخرة بتنزيه النفس عن الأخلاق الرديئة والملكات الفاسدة فيتقرر لها بذلك هيئة الانزعاج عن البدن، وتحصل لها ملكة التسلط عليه فلا تنفعل عنه، وتستفيد منه ملكة الالتفات إلى جهة الحق، والإعراض عن الباطل، وتصير شديدة الاستعداد للتخلص إلى السعادة بعد المفارقة البدنية، وهذه الأفعال لو فعلها فاعل ولم يعتقد أنها فريضة من عند الله تعالى، وكان مع اعتقاده ذلك يلزمه في كل فعل أن يتذكر الله، ويعرض عن غيره لكان جديرا بأن يفوز من هذا الزكاء بحظ، فكيف إذا استعملها من يعلم أن النبي من عند الله تعالى، وبإرسال الله تعالى وواجب في الحكمة الإلهية إرساله، وأن جميع ما سنه فإنما هو ما وجب من عند الله أن يسنه، وأنه متميز عن سائر الناس بخصائص بالغة، وواجب الطاعة بآيات ومعجزات دلت على صدقه؟!
وسيأتي شرح ذلك في الطبيعيات. لكنك تحدس مما سلف آنفا أن الله تعالى كيف رتب النظام في الموجودات؟ وكيف سخر الهيولى مطيعة للنفوس بإزالة صورة وإثبات صورة، وحيثما كانت النفوس الإنسانية أشد مناسبة للنفوس الفلكية بل وللعقل الفعال كان تأثيرها في الهيولى أشد وأغرب، وقد تصفو النفس صفاء شديدا لاستعداد ما للاتصال بالعقول المفارقة فيفيض عليها من العلوم ما لا يصل بالتقليب والإحالة من حال إلى حال، وبالقوة الثانية بخبر عن غيب, ويكلمه ملك. فيكون ما للأنبياء عليهم السلام وحيا، وما للأولياء إلهاما.
وها نحن نبتدأ القول في الطبيعيات المنقولة عن الشيخ الرئيس أبي على بن سينا.