للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن درجة عليين إلى أن ينفسخ عنها. قال: والدرجة الأعلى فيما ذكرناه لمن له النبوة، إذ في قواه النفسانية خصائص ثلاث نذكرها في الطبيعيات فبها يسمع كلام الله تعالى، ويرى ملائكته المقربين، وقد تحولت على صور يراها. وكما أن الكائنات ابتدأت من الأشرف فالأشرف حتى ترقت في الصعود إلى العقل الأول، ونزلت في الانحطاط إلى المادة وهي الأخس، كذلك النفوس ابتدأت من الأخس حتى بلغت النفس الناطقة وترقت إلى درجة النبوة. ومن المعلوم أن نوع الإنسان محتاج إلى اجتماع ومشاركة في ضروريات حاجاته، مكتفيا بآخر من نوعه، يكون ذلك الآخر أيضا مكتفيا به. ولا تتم تلك الشركة إلا بمعاملة ومعاوضة يجريان بينهما، يفرغ كل واحد منهما عن مهم لو تولاه بنفسه لازدحم على الواحد كثير. ولا بد في المعاملة من سنة وعدل، ولا بد من سان ومعدل، ولا بد من أن يكون بحيث يخاطب الناس ويلزمهم السنة. فلا بد من أن يكون إنسانا. ولا يجوز أن يترك الناس وآراءهم في ذلك فيختلفون، ويرى كل واحد منهم ما له عدلا وما عليه ظلما، فالحاجة إلى هذا الإنسان في أن يبقى نوع الإنسان أشد من الحاجة إلى إنبات الشعر على الأشفار والحاجبين. فلا يجوز أن تكون العناية الأولى تقتضي أمثال تلك المنافع, ولا تقتضي هذه التي هي أسها. ولا يجوز أن يكون المبدأ الأول والملائكة بعده يعلم تلك ولا يعلم هذا، ولا أن يكون ما يعلمه في نظام الأمر الممكن وجوده الضروري حصوله لتمهيد نظام الخير لا يوجد، بل كيف يجوز أن لا يوجد وما هو متعلق بوجوده ومبني على وجوده موجود؟ فلا بد إذن من نبي هو إنسان متميز من بين سائر الناس بآيات تدل على أنها من عند ربه تعالى: يدعوهم إلى التوحيد, ويمنعهم من الشرك، ويسن لهم الشرائع والأحكام، ويحثهم على مكارم الأخلاق، وينهاهم عن التباغض والتحاسد، ويرغبهم في الآخرة وثوابها، ويضرب لهم للسعادة والشقاوة أمثالا تسكن إليها نفوسهم، وأما الحق فلا يلوح لهم منه إلا أمرا مجملا، وهو أن ذلك شيء لا عين رأته، ولا أذن سمعته، ثم تكريره عليهم العبادات ليحصل لهم بعده تذكر المعبود بالتكرير. والمذكرات إما حركات، وإما إعدام حركات

<<  <  ج: ص:  >  >>