أجزائه بعضها إلى بعض. والنظام الآخذ من المبدإ الأول إلى أقصى الموجودات الواقعة في ترتيبه، ويتصور العناية وكيفيتها، ويتحقق أن الذات المتقدمة للكل أي وجود يخصها, وأية وحدة تخصها, وأنها كيف تعرف حتى لا يلحقها تكثر وتغير بوجه، وكيف ترتيب نسب الموجودات إليها. وكلما ازداد استبصارا ازداد للسعادة استعدادا، وكأنه ليس يتبرأ الإنسان عن هذا العالم وعلائقه إلا أن يكون قد أكد العلاقة مع ذلك العالم، فصار له شوق وعشق إلى ما هناك يصده عن الالتفات إلى ما خلفه جملة. ثم إن النفوس والقوى الساذجة التي لم تكتسب هذا الشوق ولا تصورت هذه التصورات، فإن كانت بقيت على ساذجيتها واستقرت فيها هيئات صحيحة إقناعية وملكات حسنة خلقية سعدت بحسب ما اكتسبت. أما إذا كان الأمر بالضد من ذلك أو حصلت أوائل الملكة العلمية وحصل لها شوق قد تبع رأيا مكتسبا إلى كمال حالها فصدها عن ذلك عائق مضاد فقد يبقى الشقاء الأبدي، وهؤلاء إما مقصرون في السعي لتحصيل الكمال الإنساني وإما معاندون متعصبون لآراء فاسدة مضادة للآراء الحقيقية، والجاحدون أسوأ حالا. والنفوس البله أدنى من الخلاص من فطانة بتراء، لكن النفوس إذا فارقت وقد رسخ فيها نحو من الاعتقاد في العاقبة على مثل ما يخاطب به العامة، ولم يكن لهم معنى جاذب إلى الجهة التي فوقهم لا كمال فتسعد تلك السعادة، ولا عدم كمال فتشقى تلك الشقاوة، بل جميع هيئآتهم النفسانية متوجهة إلى الأسفل، منجذبة إلى الأجسام، ولابد لها من تخيل، ولابد للتخيل من أجسام. قال فلا بد لها من أجرام سماوية تقوم بها القوة المتخيلة، فتشاهد ما قيل لها في الدنيا من أحوال القبر والبعث والخيرات الأخروية، وتكون الأنفس الرديئة أيضا تشاهد العقاب المصور لهم في الدنيا وتقاسيه، فإن الصورة الخيالية ليست تضعف عن الحسية بل تزداد تأثيرا، كما تشاهد في المنام، وهذه هي السعادة والشقاوة بالقياس إلى الأنفس الخسيسة. وأما الأنفس المقدسة فإنها تبعد عن مثل هذه الأحوال وتتصل لكمالها بالذات وتنغمس في اللذة الحقيقية، ولو كان بقي فيها أثر من ذلك اعتقادي أو خلقي تأذت به وتخلفت