للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحركة والسكون فهو تقابل العدم والملكة، وقد بينا أن ليس كل عدم هو السكون، بل هو عدم ما من شأنه أن يتحرك، ويختص ذلك بالمكان الذي تتأتى فيه الحركة. والسكون في المكان المقابل إنما يقابل الحركة عنه لا الحركة إليه، بل ربما كان هذا السكون استكمالا لها.

وإذا عرفت ما ذكرناه سهل عليك معرفة الزمان بأن تقول:

كل حركة تفرض في مسافة على مقدار من السرعة وأخرى معها على مقدارها وابتدأتا معا، فإنهما تقطعان المسافة معا، وإن ابتدأت إحداهما ولم تبتدئ الأخرى ولكن تركنا الحركة معا، فإن إحداهما تقطع دون ما تقطعه الأولى. وإن ابتدأ معه بطيء واتفقا في الأخذ والترك وجد البطيء قد قطع أقل والسريع أكثر، وكان بين أخذ السريع الأول وتركه إمكان قطع مسافة معينة بسرعة معينة, وأقل منها ببطء معين، وبين أخذ السريع الثاني وتركه إمكان أقل من ذلك بتلك السرعة المعينة يكون هذا الإمكان طابق جزءا من الأول ولم يطابق جزءا مقتضيا وكان من شأن هذا الإمكان التقضي، لأنه لو ثبت للحركات بحال واحدة لكانت تقطع المتفقات في السرعة أي وقت ابتدأت وتركت مسافة واحدة بعينها، ولما كان إمكان أقل من إمكان، فوجد في هذا الإمكان زيادة ونقصان يتعينان، فكان ذا مقدار مطابق للحركة، فإذن ههنا مقدار للحركات مطابق لها, وكل ما طابق الحركات فهو متصل، ويقتضي الاتصال تجدده، وهو الذي نسميه "الزمان". ثم هو لا بد وأن يكون في مادة، ومادته الحركة، فهو مقدار الحركة. وإذا قدرت وقوع حركتين مختلفتين في العدم كان هناك إمكانان مختلفان، بل مقداران مختلفان. وقد سبق أن الإمكان والمقدار لا يتصور إلا في موضوع، فليس الزمان محدثا حدوثا زمانيا بحيث يسبقه زمان، لأن كلامنا في ذلك الزمان بعينه، وإنما حدوثه حدوث إبداع لا يسبقه إلا مبدعه, وكذلك ما يتعلق به الزمان ويطابقه، فالزمان متصل يتهيأ أن ينقسم بالتوهم، فإذا قسم ثبتت منه آنات وانقسم إلى الماضي

<<  <  ج: ص:  >  >>