للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي يمتنع فيها وجود غير المتناهي بالفعل فليس يمتنع فيها من جميع الوجوه. فإن العدد لا يتناهى أي بالقوة, وكذلك الحركات لا تتناهى بالقوة لا القوة التي تخرج إلى الفعل؛ بل بمعنى أن الأعداد يتأتى أن تتزايد فلا تقف عند نهاية أخيرة. واعلم أن القوى تختلف في الزيادة والنقصان بالنسبة إلى شدة ظهور الفعل عنها، أو إلى عدة ما يظهر عنها، أو إلى مدة بقاء الفعل، وبينها فرقان بعيدان، فإن جل ما يكون زائدا بنوع الشدة يكون ناقصا بنوع المدة. وكل قوة حركت أشد فمدة حركتها أقصر وعدة حركتها أكثر، ولا يجوز أن تكون قوة غير متناهية بحسب اعتبار الشدة، لأن ما يظهر من الأحوال القابلة لها لا يخلو: إما أن يقل الزيادة على ما ظهر فيكون متناهيا يجوز عليه زيادة في آخره، وإما أن لا يقبل فهو النهاية في الشدة، فكل قوة جسمانية متجزئة ومتناهية.

وأما الكلام في الجهات: فمن المعلوم أنا لو فرضنا خلاء فقط أو أبعادا أو جسما غير متناه فلا يمكن أن يكون للجهات المختلفة بالنوع وجود ألبتة فلا يكون فوق وسفل، ويمين ويسار، وقدام وخلف، فالجهات إنما تتصور في أجسام متناهية، فتكون الجهات أيضا متناهية، ولذلك يتحقق إليها إشارة. ولذاتها اختصاص وانفراد عن جهة أخرى. وإذا كانت الأجسام كرية فيكون تحدد الجهات على سبيل المحيط والمحاط، والتضاد فيها على سبيل المركز والمحيط. وإذا كان الجسم المحدد محيطا كفى لتحديد الطرفين، لأن الإحاطة تثبت المركز، فتثبت غاية البعد منه وغاية القرب من غير حاجة إلى جسم آخر. وأما إن فرض محاطا لم تتحدد به وحده الجهات، لأن القرب يتحدد به، والبعد منه يتحدد بجسم آخر، إذ لا خلاء، وذلك ينتهي لا محالة إلى محيط. ويجب أن تكون الأجسام المستقيمة الحركة لا يتأخر عنها وجود الجهات لأمكنتها وحركاتها، بل الجهات تحصل بحركاتها، فيجب أن يكون الجسم الذي تتحدد الجهات إليه جسما متقدما عليه، وتكون إحدى الجهات بالطبع غاية القرب منه وهو الفوق، ويقابله غاية البعد منه وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>