محسوس بين الجسمين، وليس التمانع من حيث المادة، لأن المادة من حيث إنها مادة لا انحياز لها عن الأجزاء، وإنما ينحاز الجسم عن الجسم لأجل صورة البعد، فطباع الأبعاد تأبى التداخل، وتوجب المقاومة والتنحي. وأيضا فإن بعدا لو دخل فإما أن يكونا جميعا، فهما أزيد من الواحد، وكل ما هو عظيم، وهو أزيد فهو أعظم, وإن عدما جميعا. أو وجد أحدهما وعدم الآخر، فليس مداخلة. فإذا قيل جسم في خلاء، فيكون بعدا في بعد، وهو محال.
ونقول في نفي اللانهاية عن الجسم: إن كل موجود الذات ذا وضع وترتيب فهو متناه، إذ لو كان غير متناه فإما أن يكون غير متناه من الأطراف كلها أو غير متناه من طرف. فإن كل غير متناه من طرف أمكن أن يفصل منه من الطرف المتناهي جزء بالتوهم، فيوجد ذلك المقدار مع ذلك الجزء شيئا على حدة، وبانفراده شيئا على حدة. ثم يطبق بين الطرفين المتناهيين في التوهم، فلا يخلو إما أن يكونا بحيث يمتدان معا متطابقين في الامتداد فيكون الزائد والناقص متساويين وهذا محال، وإما أن لا يمتد بل يقصر عنه فيكون متناهيا والفصل أيضا كان متناهيا فيكون المجموع متناهيا فالأصل متناه. وأما إذا كان غير متناه من جميع الأطراف فلا يبعد أن يفرض ذا مقطع تتلاقى عليه الأجزاء ويكون طرفا ونهاية، ويكون الكلام في الأجزاء والجزأين كالكلام في الأول. وبهذا يتأتى البرهان على أن العدد المترتب الذات الموجود بالفعل متناه، وأن ما لا يتناهى بهذا الوجه هو الذي إذا وجد وفرض أنه يحتمل زيادة ونقصانا وجب أن يلزم ذلك محال. وأما إذا كانت أجزاؤه لا تتناهى وليست معا وكانت في الماضي والمستقبل فغير ممتنع وجودها واحدا قبل آخر أو بعده لاحقا، أو كانت ذات عدد غير مرتب في الوضع ولا الطبع فلا مانع عن وجوده معا، وذلك أن ما لا يترتب له في الوضع أو الطبع فلن يحتمل الانطباق، وما لا وجود له معا فهو فيه أبعد، ونقول في إثبات التناهي في القوى الجسمانية ونفي التناهي عن القوى غير الجسمانية قال: الأشياء