للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فينبغي أن يتشابه الأجزاء، فيجب أن يكون الشكل كريا, وأما المركبات فقد تكون أشكالها غير كرية لاختلاف أجزائها فالأجسام السماوية كلها كرية, وإذا تشابهت أجزاؤها وقواها كان حيزها الطبيعي وجهتها واحدة، فلا يتصور أرضا، في وسطين في عالمين، ولا ناران في أفقين، بل لا يتصور عالمان، لأنه قد ثبت أن العالم بأسره كري الشكل، فلو قدر كريان أحدهما بجنب الآخر كان بينهما خلاء ولا يتصلان إلا بجزء واحد لا ينقسم، وقد تقدم استحالة الخلاء. وأما الحركة، فمن المعلوم أن كل جسم اعتبر ذاته من غير عارض بل من حيث هو جسم في حيز, فهو إما أن يكون متحركا وإما أن يكون ساكنا، وذلك ما نعنيه بالحركة الطبيعية والسكون الطبيعي، فنقول: إن كان الجسم بسيطا كانت أجزاؤه متشابهة، وأجزاء ما يلاقيه وأجزاء مكانه كذلك، فلم يكن بعض الأجزاء أولى بأن يختص بعض أجزاء المكان من بعض، فلم يجب أن يكون شيء منها له طبيعيا، فلا يمتنع أن يكون على غير ذلك الوضع، بل في طباعه أن يزول عن ذلك الوضع أو الأين بالقوة، وكل جسم لا ميل له في طبعه فلا يقبل الحركة عن سبب خارج فبالضرورة في طباعه حركة ما إما لكله وإما لأجزائه حتى يكون متحركا في الوضع بحركة الأجزاء، وإذا صح أن كل قابل تحريك ففيه مبدأ ميل، ثم لا يخلو إما أن يكون على الاستقامة أو على الاستدارة. والأجسام السماوية لا تقبل الحركة المستقيمة كما سبق، فهي متحركة على الاستدارة، وقد بينا استناد حركاتها إلى مبادئها.

وأما الكيف فنقول أولا: إن الأجسام السماوية ليست موادها مشتركة, بل هي مختلفة بالطبع، كما أن صورها مختلفة، ومادة الواحدة منها لا يصلح أن تتصور بصورة الأخرى، ولو أمكن ذلك كذلك لقبلت الحركة المستقيمة، وهو محال. فلها طبيعة خامسة مختلفة بالنوع، بخلاف طبائع العناصر، فإن مادتها مشتركة وصورها مختلفة، وهي تنقسم إلى حار يابس كالنار، وإلى حار رطب كالهواء، وإلى بارد رطب كالماء، وإلى بارد يابس كالأرض، وهذه أعراض فيها لا صور، ويقبل الاستحالة بعضها إلى بعض، ويقبل النمو والذبول، ويقبل الآثار من الأجسام السماوية. وأما الكيفيات،

<<  <  ج: ص:  >  >>