للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالحرارة والبرودة فاعلتان، فالحار هو الذي يغير جسما آخر بالتحليل والخلخلة بحيث يألم الحاس منه، والبارد هو الذي يغير جسما بالتعقيد والتكثيف بحيث يألم الحاس منه. وأما الرطوبة واليبوسة فمنفعلتان، فالرطب هو سهل القبول للتفريق والجمع, والتشكيل والدفع، واليابس هو عسر القبول لذلك. فبسائط الأجسام المركبة تختلف وتتمايز بهذه القوى الأربع، ولا يوجد شيئا منها عديما لواحدة من هذه. وليست هذه صورا مقومة للأجسام، لكنها إذا تركت وطباعها ولم يمنعها مانع من خارج ظهر منها في أجرامها حر أو برد ورطوبة أو يبس، كما أنها إذا تركت وطباعها ولم يمنعها مانع ظهر منها إما سكون أو ميل وحركة، فلذلك قيل قوة طبيعية، وقيل النار حارة بالطبع، والسماء متحركة بالطبع. فعرفت الأحياز الطبيعية، والأشكال الطبيعية، والحركات الطبيعية، والكيفيات الطبيعية. وعرفت أن إطلاق الطبيعية عليها بأي وجه، فنقول بعد ذلك: إن العناصر قابلة للاستحالة والتغيير وبينها مادة مشتركة، والاعتبار في ذلك بالمشاهدة، فإنا نرى الماء العذب انعقد حجرا جلمدا والحجر يكلس فيعود رمادا، ويرام بالحيلة حتى يصير ماء، فالمادة مشتركة بين الماء والأرض. ونشاهد هواء صحوا يغلظ دفعة فيستحيل أكثره أو كله ماء وبردا وثلجا، ونضع الجمد في كوز صفر فنجد من الماء المجتمع على سطحه كالقطر ولا يمكن أن يكون ذلك بالرشح، لأنه ربما كان ذلك حيث لا يماسه الجمد وكان فوق مكانه ثم لا نجد مثله إذا كان حارا والكوز مملوءا، ويجتمع مثل ذلك داخل الكوز حيث لا يماسه الجمد، وقد يدفن القدح في جمد محفور حفرا مهندما ويسد رأسه عليه فيجتمع فيه ماء كثير، وإن وضع في الماء الحار الذي يغلي مدة واستد رأسه لم يجتمع شيء، وليس ذلك إلا لأن الهواء الخارج أو الداخل قد استحال ماء، فبين الماء والهواء مادة مشتركة. وقد يستحيل الهواء نارا، وهو ما نشاهد من آلات حاقنة مع تحريك شديد على صورة المنافخ، فيكون ذلك الهواء بحيث يشتعل في الخشب وغيره، وليس ذلك على طريق الانجذاب، لأن النار لا تتحرك إلا على سبيل الاستقامة إلى العلو، ولا على طريق الكمون، إذ من المستحيل أن يكون في ذلك الخشب من النار الكامنة

<<  <  ج: ص:  >  >>