السمع وهي قوة مرتبة في العصب المتفرق في سطح الصماخ تدرك صورة ما يتأدى إليه بتموج الهواء المنضغط بين قارع ومقروع مقاوم له انضغاضا بعنف يحدث منه تموج فاعل للصوت يتادى إلى الهواء المحصور الراكد في تجويف الصماخ، ويموجه بشكل نفسه، وتماس أمواج تلك الحركة العصبة، فيسمع. ومنها الشم، وهي قوة مرتبة في زائدتي مقدم الدماغ الشبيهتين بحلمتي الثدي تدرك ما يؤدي إليه الهواء المستنشق من الرائحة المخالطة لبخار الريح، والمنطبع بالاستحالة من جرم ذي رائحة. ومنها الذوق، وهي قوة مرتبة في العصب المفروش على جرم اللسان تدرك الطعوم المتحللة من الأجسام المماسة المخالطة للرطوبة اللعابية التي فيه فتحيله. ومنها اللمس وهي قوة منبثة في جلد البدن كله ولحمه فاشية فيه، والأعصاب تدرك ما تماسه وتؤثر فيه بالمضادة وتغيره في المزاج أو الهيئة، ويشبه أن تكون هذه القوة لا نوعا بل جنسا لأربع قوى منبثة معا في الجلد كله، الواحدة حاكمة في التضاد الذي بين الحار والبارد، والثانية حاكمة في التضاد الذي بين الصلب واللين، والثالثة حاكمة في التضاد الذي بين الرطب واليابس، والرابعة حاكمة في التضاد الذي بين الخشن والأملس، إلا أن اجتماعها معا في آلة واحدة يوهم تأحدها في الذات. والمحسوسات كلها تتأدى إلى آلات الحس فتنطبع فيها فتدركها القوة الحاسة.
والقسم الثاني: قوى تدرك في باطن، فمنها ما يدرك صور المحسوسات، ومنها ما يدرك معاني المحسوسات. والفرق بين القسمين في أن الصورة هو الشيء الذي تدركه النفس الناطقة والحس الظاهر معا ولكن الحس يدركه أولا ويؤديه إلى النفس، مثل إدراك الشاة صورة الذئب. أو المعنى فهو الشيء الذي تدركه النفس من المحسوس من غير أن يدركه الحس أولا، مثل إدراك الشاة المعنى المضاد في الذئب الموجب لخوفها إياه وهربها عنه. ومن المدركات الباطنة ما يدرك ويفعل، ومنها ما يدرك ولا يفعل. والفرق بين القسمين أن الفعل فيها هو أن تركب الصور والمعاني المدركة بعضها مع بعض، وتفصل بعضها عن بعض، فيكونه إدراك وفعل أيضا فيما أدرك، والإدراك