والسكتة. فإذا ركدت الحواس ورقدت بسبب من الأسباب بقيت النفس فارغة عن شغل الحواس، لأنها لا تزال مشغولة بالتفكير فيما تورد الحواس عليها، فإذا وجدت فرصة الفراغ وارتفع عنها المانع واستعدت للاتصال بالجواهر الروحانية الشريفة العقلية التي فيها نقشت الموجودات كلها، فانطبع في النفس ما في تلك الجواهر من صور الأشياء، لا سيما ما يناسب أغراض الرائي، ويكون انطباع تلك الصور في النفس كانطباع صورة في مرآة من مرآة. فإن كانت الصور جزئية ووقعت في النفس في المصورة وحفظتها الحافظة على وجهها من غير تصرف المتخيلة صدقت الرؤيا، ولا تحتاج إلى تعبير، وإن وقعت في المتخيلة حاكت ما يناسبها من الصور المحسوسة، وهذه تحتاج إلى تعبير وتأويل، ولما لم تكن تصرفات الخيال مضبوطة واختلفت باختلاف الأشخاص والأحوال اختلف التعبير، وإذا تحركت المتخيلة منصرفة عن عالم العقل إلى عالم الحس واختلفت تصرفاتها كانت الرؤيا أضغاث أحلام، لا تعبير لها، وكذلك لو غلبت على المزاج إحدى الكيفيات الأربع رأى في المنام أحوالا مختلطة.
وأما الثالث: في إدراك علم الغيب في اليقظة. إن بعض النفوس يقوى قوة لا تشغله الحواس ولا تمنعه، بل يتسع بقوته للنظر إلى عالم العقل والحس جميعا، فيطلع إلى عالم الغيب فيظهر له بعض الأمور مثل البرق الخاطف، وبقي المتصور المدرك في الحافظة بعينه وكان ذلك وحيا صريحا. وإن وقع في المخيلة، واشتغلت بطبيعة المحاكاة كان ذلك مفتقرا إلى التأويل.
وأما الرابع: في مشاهدة النفس صورا محسوسة لا وجود لها، وذلك أن النفس تدرك الأمور الغائبة إدراكا قويا، فيبقى عين ما أدركته في الحفظ، وقد تقبله قبولا ضعيفا فتستولي عليه المتخيلة وتحاكيه بصورة محسوسة واستتبعت الحس المشترك، وانطبعت الصورة في الحس المشترك سراية إليه من المتصورة والمتخيلة.
والإبصار هو وقوع صورة في الحس المشترك، فسواء وقع فيه من خارج بواسطة البصر أو وقع فيه أمر من داخل