في وجه خروج العقل النظري من القوة إلى الفعل, وأحوال خاصة بالنفس الإنسانية من الرؤيا الصادقة والكاذبة، وإدراكها علم الغيب، ومشاهدتها صورا لا وجود لها من خارج تلك الوجوه، ومعنى النبوة والمعجزات وخصائصها التي تتميز بها عن المخاريق.
أما الأول: فقد بينا أن النفس الإنسانية لها قوة هيولانية، أي استعداد لقبول المعقولات بالفعل، وكل ما خرج من القوة إلى الفعل فلا بد له من سبب يخرجه إلى الفعل، وذلك السبب يجب أن يكون موجودا بالفعل، فإنه لو كان موجودا بالقوة لاحتاج إلى مخرج آخر فإما أن يتسلسل، أو ينتهي إلى مخرج هو موجود بالفعل لا قوة فيه، فلا يجوز أن يكون ذلك جسما لأن الجسم مركب من مادة وصورة, والمادة أمر بالقوة، فهو إذا جوهر مجرد عن المادة وهو العقل الفعال. وإنما سمى فعالا بإزاء كون العقول الهيولانية منفعلة. وقد سبق إثباته في الإلهيات من وجه آخر. وليس يختص فعله بالعقول والنفوس، بل وكل صورة تحدث في العالم فإنما هي من فيضه العام، فيعطي كل قابل ما استعد له من الصور. وأعلم أن الجسم وقوة في الجسم لا يوجد شيئا، فإن الجسم مركب من مادة وصورة والمادة طبيعتها عدمية، فلو أثر الجسم لأثر بمشاركة المادة وهي عدم، والعدم لا يؤثر في الوجود. فالفعل الفعال هو المجرد عن المادة وعن كل قوة، فهو بالفعل من كل وجه.
وأما الثاني: من الأحوال الخاصة بالنفس، فالنوم والرؤيا. والنوم غؤور القوى الظاهرة في أعماق البدن، وانحناس الأرواح من الظاهر إلى الباطن، ونعني بالأرواح ههنا أجساما لطيفة مركبة من بخار الأخلاط التي منبعها القلب، وهي مراكب القوى النفسانية والحيوانية، ولهذا إذا وقعت سدة في مجاريها من الأعصاب المؤدية للحس بطل الحس وحصل الصرع