وأما القسم الثالث مما ذكرنا, وهو أن تعلق النفس بالجسم تعلق المتقدم، فالمتقدم, إن كان بالزمان فيستحيل أن يتعلق وجوده به وقد تقدمه في الزمان، وإن كان بالذات فليس فرض عدم المتأخر يوجب عدم المتقدم، على أن فساد البدن بأمر يخصه من تغير المزاج والتركيب وليس ذلك مما يتعلق بالنفس فبطلان البدن لا يقتضي بطلان النفس.
ويقول: إن سببا آخر لا يفسد النفس أيضا، بل هي في ذاتها لا تقبل الفساد، لأن كل شئ من شأنه أن يفسد بأمر ما ففيه قوة أن يفسد، وقبل الفساد فيه فعل أن يبقى، ومحال أن يكون من جهة واحدة في شئ واحد قوة أن يفسد وفعل أن يبقى، فإن تهيؤه للفساد شئ وفعله للبقاء شئ آخر، فالأشياء المركبة يجوز أن يجتمع فيها الأمران لوجهين، أما البسيطة فلا يجوز أن يجتمعا فيها. ومن الدليل على ذلك أيضا أن كل شيء يبقى وله قوة أن يفسد فله قوة أن يبقى أيضا, لأن بقاءه ليس بواجب ضروري، وإذا لم يكن واجبا كان ممكنا، والإمكان هو طبيعة القوة، فإذن يكون له في جوهره قوة أن يبقى، فذلك الشيء الذي له القوة على البقاء، وفعل البقاء أمر مشترك البقاء له كالصورة، وقوة البقاء له كالمادة، فيكون مركبا من مادة وصورة، وقد فرضناه واحدا فردا، هذا خلف. فقد بان أن كل أمر بسيط فغير مركب فيه قوة أن يبقى وفعل أن يبقى بل ليس فيه قوة أن يعدم باعتبار ذاته، والفساد لا يتطرق إلا إلى المركبات. وإذا تقرر أن البدن إذا تهيأ واستعد استحق من واهب الصور نفسا تدبره، ولا يختص هذا ببدن دون بدن، بل كل بدن حكمه كذلك، فإذا استحق النفس وقارنته في الوجود فلا يجوز أن تتعلق به نفس أخرى، لأنه يؤدي إلى أن يكون لبدن واحد نفسان وهو محال، فالتناسخ إذن بطل.