وهذا لا يحتاج إلى كثير تكلف في إبطاله، فقد صح أن النفس تحدث كلما حدث البدن الصالح لاستعمالها إياه، ويكون البدن الحادث مملكتها وآلتها، ويكون في هيئة جوهر النفس الحادثة مع بدن ما, ذلك البدن الذي استحقه نزاع طبيعي إلى الاشتغال به واستعماله والاهتمام بأحواله، والانجذاب إليه يخصها ويصرفها عن كل الأجسام غيره بالطبع إلا بواسطته. وأما بعد مفارقة البدن فإن الأنفس قد وجد كل واحد منها ذاتا منفردة باختلاف موادها التي كانت وباختلاف أزمنة حدوثها, واختلاف هيئاتها التي بحسب أبدانها المختلفة لا محالة بأحوالها. وأنها لا تموت بموت البدن، لأن كل شيء يفسد بفساد شيء آخر فهو متعلق به نوعا من التعلق فإما أن يكون تعلقه به تعلق المكافئ في الوجود، وكل واحد منهما جوهر قائم بنفسه، فلا تؤثر المكافأة في الوجود في فساد أحدهما بفساد الثاني، لأنه أمر إضافي، وفساد أحدهما يبطل الإضافة لا الذات. وإما أن يكون تعلقه به تعلق المتأخر في الوجود، فالبدن علة النفس، والعلل أربع فلا يجوز أن يكون علة فاعلية، فإن الجسم بما هو جسم لا يفعل شيئا إلا بقواه، والقوى الجسمانية إما أعراض أو صور مادية، فمحال أن يفيد أمر قائم بالمادة وجود ذات قائمة بنفسها لا في مادة ولا يجوز أن يكون علة قابلية، فقد بينا أن النفس ليست منطبعة في البدن. ولا يجوز أن يكون علة صورية أو كمالية، فإن الأولى أن يكون الأمر بالعكس فإذن تعلق النفس بالبدن ليس تعلقا على أنه علة ذاتية لها.
نعم البدن والمزاج علة بالعرض للنفس، فإنه إذا حدث بدن يصلح أن يكون آلة للنفس ومملكة لها أحدثت العلل المفارقة النفس الجزئية، فإن إحداثها بلا سبب يخصص إحداث واحد دون واحد يمنع عن وقوع الكثرة فيها بالعدد، ولأن كل كائن بعد ما لم يكن يستدعي أن يتقدمه مادة يكون فيها تهيؤ قبوله أو تهيؤ نسبته إليه كما تبين. ولأنه لو كان يجوز أن تكون النفس الجزئية تحدث ولم تحدث لها آلة بها تستكمل وتفعل لكانت معطلة الوجود ولا شئ معطل في الطبيعة، ولكن إذا حدث التهيؤ والاستعداد في الآلة حدث من العلل المفارقة شئ هو النفس. وليس إذا وجب حدوث شئ من حدوث شيء وجب أن يبطل مع بطلانه.