للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن القوى الحيوانية ربما تعين النفس الناطقة في أشياء منها أن يورد عليها الحس جزئيات الأمور فيحدث لها أمور أربعة:

أحدها: انتزاع النفس الكليات المفردة عن الجزئيات على سبيل تجريد لمعانيها عن المادة وعلائقها ولواحقها، ومراعاة المشترك فيه والمتباين به والذاتي وجوده والعرضي، فيحدث للنفس من ذلك مبادئ التصور، وذلك بمعاونة استعمال الخيال والوهم.

والثاني: إيقال النفس مناسبات بين هذه الكليات المفردة على مثل سلب وإيجاب، فما كان التأليف منها بسلب وإيجاب ذاتيا بينا بنفسه أخذته، وما كان ليس كذلك تركته إلى يصادف الواسطة.

والثالث: تحصيل المقدمات التجريبية بأن يوجد بالحس محمول لازم الحكم لموضوع أو نال لازم لمقدم. فيحصل له اعتقاد مستفاد من حس وقياس ما.

والرابع: الأخبار التي يقع بها التصديق لشدة التواتر. فالنفس الإنسانية تستعين بالبدن لتحصيل هذه المبادئ للتصور والتصديق، وأما إذا استكملت النفس وقويت فإنها تنفرد بأفاعيلها على الإطلاق، وتكون القوى الحسية والخيالية وغيرها صارفة لها عن فعلها، وربما تصير الوسائط والأسباب عوائق.

قال: والدليل أن النفس الإنسانية حادثة مع حدوث البدن أنها متفقة في النوع والمعنى، فإن وجدت قبل البدن فإما أن تكون متكثرة الذوات أو تكون ذاتا واحدة، ومحال أن تكون متكثرة الذوات، فإن تكثرها إما أن يكون من جهة الماهية والصورة، وأما أن يكون من جهة النسبة إلى العنصر والمادة، وبطل الأول لأن صورتها واحدة وهي متفقة في النوع، والماهية لا تقبل اختلافا ذاتيا، وبطل الثاني لأن البدن والعنصر فرض غير موجود. قال: ومحال أن تكون واحدة الذات، لأنه إذا حصل بدنان حصلت فيهما نفسان. فإما أن يكونا قسمي تلك النفس الواحدة وهو محال لأن ما ليس له عظم وحجم لا يكون منقسما، وإما أن تكون النفس الواحدة بالعدد في بدنين،

<<  <  ج: ص:  >  >>