للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى منها: أنه زاد على القول بالقدر خيره وشره منا قوله: إن الله تعالى لا يوصف بالقدرة على الشرور والمعاصي، وليست هي مقدورة للباري تعالى، خلافا لأصحابه فإنهم قضوا بأنه قادر عليها لكنه لا يفعلها لأنها قبيحة. ومذهب النظام أن القبيح إذا كان صفة ذاتية للقبيح، وهو المانع من الإضافة إليه فعلا؛ ففي تجويز وقوع القبيح منه قبح أيضا، فيجب أن يكون مانعا. ففاعل العدل لا يوصف بالقدرة على الظلم، وزاد أيضا على هذا الاختباط فقال: إنما يقدر على فعل ما يعلم أن فيه صلاحا لعباده، ولا يقدر على أن يفعل بعباده في الدنيا ما ليس فيه صلاحهم. هذا في تعلق قدرته بما يتعلق بأمور الدنيا. وأما أمور الآخرة فقال: لا يوصف الباري تعالى بالقدرة على أن يزيد في عذاب أهل النار شيئا، ولا على أن ينقص منه شيئا، وكذلك لا ينقثص من نعيم أهل الجنة ولا أن يخرج أحدا من أهل الجنة وليس ذلك مقدورا له. وقد ألزم عليه أن يكون الباري تعالى مطبوعا مجبورا على ما يفعله، فإن القادر١ على الحقيقة من يتخير بين الفعل والترك. فأجاب إن الذي ألزمتموني في القدرة يلزمكم في الفعل، فإن عندكم يستحيل أن يفعله وإن كان مقدورا؛ فلا فرق. وإنما أخذ هذه المقالة من قدماء الفلاسفة حيث قضوا بأن الجواد لا يجوز أن يدخر شيئا لا يفعله. فما أبدعه وأوجده هو المقدور؛ ولو كان في علمه تعالى ومقدوره ما هو أحسن وأكمل مما أبدعه نظاما وترتيبا وصلاحا لفعله.


١ في "مقالات الإسلاميين" ص٥٧٦ ج٢ "وقال إبراهيم النظام: إن ما يقدر الله عليه من اللطف لا غاية له ولا كل، وإن ما فعل من اللطف لا شيء أصلح منه إلا أن له عقد الله سبحانه أمثالا، ولكل مثل مثل، ولا يقال يقدر على أصلح مما فعل أن يفعل، ولا يقال يقدر على دون ما فعل أن يفعل لأن فعل ما دون نقص، ولا يجور على الله عز وجل فعل النقص، ولا يقال يقدر على ما هو أصلح، لأن الله سبحانه لو قدر على ذلك ولم يفعل كان ذلك بخلا".

<<  <  ج: ص:  >  >>