لما ألزم مشي نملة على صخرة من طرف إلى طرف أنها قطعت ما لا يتناهى، فكيف يقطع ما يتناهى ما لا يتناهى؟ قال: تقطع بعضها بالمشي، وبعضها بالطفرة. وشبه ذلك بحبل شد على خشبة معترضة وسط البئر، وطوله خمسون ذراعا، وعليه دلو معلق، وحبل طوله خمسون ذراعا علق عليه معلاق, فيجر به الحبل المتوسط، فإن الدلو يصل إلى رأس البئر وقد قطع مائة ذراع بحبل طوله خمسون ذراعا في زمان واحد، وليس ذلك إلا أن بعض القطع بالطفرة. ولم يعلم أن الطفرة قطع مسافة أيضا موازية لمسافة، فالإلزام لا يندفع عنه، وإنما الفرق بين المشي والطفرة يرجع إلى سرعة الزمان وبطئه.
السابعة: قال إن الجواهر مؤلفة من أعراض اجتمعت. ووافق هشام بن الحكم في قوله إن الألوان والطعوم والروائح أجسام، فتارة يقضي بكون الأجسام أعراضا، وتارة يقضي بكون الأعراض أجساما لا غير.
الثامنة: من مذهب أن الله تعالى خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هي عليه الآن: معادن ونباتا، وحيوانا، وإنسانا، ولم يتقدم خلق آدم عليه السلام خلق أولاده؛ غير أن الله تعالى أكمن بعضها في بعض، فالتقدم والتأخر إنما يقع في ظهورها من مكامنها دون حدوثها ووجودها. وإنما أخذ هذه المقالة من أصحاب الكمون والظهور الفلاسفة وأكثر ميله أبدا إلى تقرير مذاهب الطبيعيين منهم دون الإلهيين.
التاسعة: قوله في إعجاز١ القرآن إنه من حيث الإخبار عن الأمور الماضية
١ المصدر السابق ص٢٢٥ ج١ "وقال النظام: الآية والأعجوبة في القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيوب، فأما التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد لولا أن الله منعهم بمنع وعجز أحدثهما فيهم".