للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا سيّما عند هذه الفتنة التي عمّت وطمّت، وأعمت وأصمّت، فإنها كما في حديث حذيفة (١)

قال: قلت يا رسول الله، إنّا كنّا في شرٍّ فذهب الله بذلك الشر، ِّ وجاء بالخير على يديك، فهل بعد الخير من شر؟ قال: "نعم"، قلت: ما هو؟ قال"فتن كقطع الليل المظلم، يتبع بعضها بعضاً، تأتيكم مشتبهة كوجوه البقر، لا تدرون أيّاً من أيّ " (٢) .

فهذه الفتن الواقعة في هذا الزمان، من جنس ما أشير إليه في هذا الحديث، الذي خرّجه الإمام أحمد في مسنده، فتعيّن الاهتمام بالمخرج منها، والنجاة فيها، ولا سبيل إلى ذلك إلاّ بالاعتصام بحبل الله، ومعرفة ما أوجب وندب إليه كتابه من شرائع الإيمان وحدوده، وما نهى عنه وحرّمه من شعب الكفر والنفاق وحدوده، وقد نصّ على هذا صلّى الله عليه وسلّم، لما سأله حذيفة عن الفتن؛ فعن حذيفة: كان الناس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير، وأسأله عن الشرِّ، وعرفت أن الخير لن يسبقني، قلت: يا رسول الله، أبعد هذا الخير شر؟ قال: " يا حذيفة تعلّم كتاب الله، واتبع ما فيه " ثلاث مرار، قال: قلت يا رسول الله، أبعد هذا الخير شر؟ قال: " فتنة وشر "، قال قلت يا رسول الله أبعد هذا الشر من خير؟ قال: " يا حذيفة تعلّم كتاب الله، واتبع ما فيه " ثلاث مرار، قال قلت يا رسول الله أبعد هذا الشر من خير؟ قال: " هدنة على دَخَنٍ (٣) ، وجماعة على أقذاء (٤)


(١) هو حذيفة بن اليمان (حسل) بن جابر العبسي اليماني، من أعيان المهاجرين، صاحب سرِّ النبي صلّى الله عليه وسلّم، مات بالمداائن سنة (٣٦هـ) . انظر الاستيعاب ١/٣٤؛ أسد الغابة ١/٤٦٨؛ سير الأعلام ٢/٣٦١.
(٢) مسند الإمام أحمد ٥/٣٩١.
(٣) هدنة على دخن: الهدنة الصلح والموادعة بين المسلمين والكفار، وبين كل متحاربين.
*والمعنى: أنّه سيكون هدنة وصلح –بينكم وبين الكفار-على فساد واختلاف، تشبيهاً بدخان الحطب الرطب لما بينهم من الفساد والباطن، تحت الصلاح الظاهر. انظر النهاية لابن الأثير ٢/١٠٩، ٥/٢٥٢.
(٤) وجماعة على أقذاء: الأقذاء جمع قذى، والقذى: جمع قذاة، وهو ما يقع في العين، والماء والشراب، من التراب أو الوسخ. والمعنى: أن اجتماعهم يكون على فساد في قلوبهم. انظر النهاية لابن الأثير ٤/٣٠؛ لسان العرب ١٥/١٧٤، مادة (قذي) .

<<  <  ج: ص:  >  >>