للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة السادسة: عن قوله تعالى: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا

...

وأما المسألة السادسة ٣: عن قوله تعالى في قصة شعيب: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} ٤، وقال السائل. "وهم لم يدخلوا فيها فاعلم أنّ المسألة شاعت وذاعت واشتهرت وانتشرت، والخلاف فيها قديم بين أهل السنة والمعتزلة٥، وبين أهل السنة بعضهم لبعض، والذي


٣ وردت هذه المسألة في الدرر السنية ١٠/٨٦-٩٠.
٤ سورة الأعراف الآية (٨٨) .
٥ الخلاف المشار إليه هنا، الواقع بين أهل السنة والمعتزلة، هو معنى (العودة) لنبي الله شعيب عليه السلام وقومه إلى ملة الكفر، وهم لم يدخلوا فيها. أي كيف جاز القول بعودته إلى الكفر، وهو أصلاً لم يكن كافراً؟
فهذه المسألة مبنية على مسألة عصمة الأنبياء، فالجميع متفقون على أن الأنبياء معصومون من الكفر والذنوب والمعاصي بعد النبوة. ويختلفون في: هل يجوز كون النبي في ملة قومه وعلى مذهبهم قبل البعثة؟
فمذهب أهل السنة والجماعة: هو ما ذكره الشيخ عبد اللطيف هنا، وساق عليه أقوال العلماء. وهو: أن علماء السنة يفرقون بين حال النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبين غيره من الأنبياء، فهو عليه الصلاة والسلام قد عصم قبل النبوة حيث يغض إليه ما كان عليه قومه من الشرك بالله تعالى. أما غيره من الأنبياء فإنه لا يستحيل كون أحدهم في ملّة قومه قبل النبوة، وأنه لا يلزم من ذلك كونهم عبدوا الأصنام، بل يظلون على السكوت وعدم التعرض لقومهم قبل النبوة. وعلى هذا يكون معنى العودة في الآية {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} : عود إلى ما كانوا عليه من السكوت وعدم التعرض لهم قبل البعثة. [انظر: تفسير القاسمي ٧/٢٨١٥ وعصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمان بمصر ١٣٩٩هـ ١٩٧٩م، ص٦٦] .
أما عند المعتزلة: فإن كون النبي في ملة الكفر قبل النبوة، أمر مستحيل وفاسد.
قال الزمخشري في الكشاف: (والأنبياء يجب أن يكونوا معصومين قبل النبوة وبعدها، عن الكبائر والصغائر الشائنة، فما بال الكفر والجهل بالصانع، وكفا بالنبي نقيصة عند الكفار أن يسبق له الكفر) الكشاف للزمخشري ٤/٢٦٥. وعلى قول المعتزلة، يكون معنى العود في الآية {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} على أحد معنيين:
أولهما: أن يكون العود بمعنى الصيرورة، أي لتصيرنّ كفّاراً مثلنا، فيكون عود على معنى الابتداء.
ثانيهما: أن يكون نسبة العود إلى النبي على التغليب، أي المراد عود قوم شعيب إلى ملتهم، فقد كانوا قبل إيمانهم كفاراً، فلما خوطبوا بالعود وفيهم شعيب، غلب الجماعة على الواحد، فجعلوا عائدين جميعاً، إجراءً للكلام على حكم التغليب. انظر المعنيين في: الكشاف للزمخشري ٢/٩٥-٩٦، ٣٧٠، تفسير النسفي، لأبي البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، دار إحياء الكتب العربية، الحلبي بمصر ٢/٢٥٧. عصمة الأنبياء للإمام فخر الدين الرازي (ت٥٤٣) نشر المكتبة الإسلامية بحمص –سوريا، ص٣، ٤٣. عصمة الأنبياء للحديدي ص ٦٦وقد أشار فخر الدين الرازي إلى مذهب المعتزلة هذا بقوله: (إنّ قولهم {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان على ملّتهم التي هي الكفر، فهذا يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم كان كافراً قبل ذلك، وذلك في غاية الفساد) . (التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي ط/٣، دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان، ١٤/١٧٧) وانظر أيضاً ١٩/١٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>