للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنحمد إليكم الله، الذي لا إله إلاّ هو، وهو للحمد أهلٌ، وهو على كل شيء قدير. والسؤالات وصلت.

فأما السؤال الأول: فيمن آمن بلفظ الاستواء الوارد في كتاب الله، لكن نازع في المعنى، وزعم أنه الاستيلاء:

فهذا جهميّ١ معطّلٌ، ضالٌ، مخالفٌ لنصوص الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة؛ وهذا القول هو المعروف عند السلف، عن جهم وشيعته الجهمية؛ فإنهم لم يصرحوا بردّ ألفاظ القرآن، كالاستواء، وغيره، من الصفات؛ وإنما خالفوا السلف في المعنى المراد.

وقولهم هذا، لا يعرف في المسلمين، إلاّ عن الجهم بن صفوان، تلميذ الجعد بن درهم؛ وكان الجعد قد سكن حرّان، مخالط الصابئة واليهود، وأخذ عنهم من المقالات والمذاهب المكفِّرة، ما أنكره عليه كافة أهل الإِسلام، وكفَّروه بذلك، حتى إنّ خالد


١ هذا هو قول الجهمية والأشاعرة والماتريدية في الاستواء، يفسّرونه بالاستيلاء والملك والقهر والغلبة.
ويستشهدون على هذا المعنى، بقول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ولا دم مهراق
وقد أبطل العلماء هذا التأويل، ورد شيخ الإسلام بن تيمية –رحمه الله تعالى- على استدلالهم بهذا البيت، فنفى كون الاستواء بمعنى الاستيلاء، وقال: (لم يثبت نقل صحيح أنه شعر عربي، وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه وقالوا: إنه بيت مصنوع، لا يعرف في اللغة، وقد علم لو أنه احتج بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتاج إلى صحته، فكيف ببيت من الشعر لا يعرف إسناده، وقد طعن فيه أئمة اللغة) . مجموع الفتاوى ٥/١٤٦.
وانظر في الرد على هذا التأويل: الرد على الجهمية للدارمي ص١٤، الرد على الجهمية لابن مندة ص١٩، الرد على الجهمية للإمام أحمد بن حنبل ص١٥، كتاب الأسماء والصفات لشيخ الإسلام ابن تيمية (٧٢٨هـ) ، تحقيق عبد القادر عطا دار الكتب العلمية بيروت، ط/١، ١٤٠٨هـ -١٩٨٨م، ٢/٧٦. الكافية الشافية ١/٤٤٢، اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم ١/٨٨.
وقد أبطل الإمام ابن القيم هذا التأويل في مواضع كثيرة. وفي كتابه (الصواعق المرسلة) بيّن بطلانه من (٤٢) وجها.

<<  <  ج: ص:  >  >>