للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دينك ومن نبيك اعرفوا تفاصيل هذا، ومعنى الرب في هذا المحل،

وتفقهوا في هذه الأصول قبل أن تزل قدم وتزول.

وأما الفرق بين المداراة والمداهنة:

فالمداهنة: ترك ما يجب لله، من الغيرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتغافل عن ذلك لغرض دنيوي وهوى نفساني؛ كما في حديث: "إن من كان قبلكم كانوا إذا فعلت فيهم الخطيئة أنكروها ظاهرا، ثم أصبحوا من الغد يجالسون أهلها، ويواكلونهم ويشاربونهم، كأن لم يفعلوا شيئا بالأمس"١، فالسكوت والمعاشرة مع القدرة على الإنكار، هي عين المداهنة.

وثمود لو لم يدهنوا في ربهم ... لم تدم ناقتهم بسيف قدار ٢

وأما المداراة: فهي درأ الشيء المفسد بالقول اللين، وترك الغلظة والإعراض عنه إذا خيف شره أو حصل منه أكبر مما هو ملابس. وفي الحديث: "شركم من اتقاه الناس خشية فحشه"٣ وعن عائشة –رضي الله عنها-: "أنه استأذن على النبي صلى الله


١ المعجم الكبير للطبراني، ١٠/١٨٠. وأخرجه الهيثمي بلفظ: صلى الله عليه وسلم: "إن من كان قبلكم من بني إسرائيل إذا عمل فيهم العامل الخطيئة فنهاه الناهي تعذيرا، فإذا كان من الغد جالسه وواكله وشاربه، كأن لم يره على خطيئة بالأمس. فلما رأى الله –تعالى- ذلك منهم، ضرب قلوب بعضهم على بعض على لسان داود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ولتأخذن على أيدي المسيء، ولتأطرنه على الحق أطرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ويلعنكم كما لعنهم".
قال الهيثمي: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح". مجمع الزوائد، ٧/٢٦٩.
٢ لم أقف على مصدر هذا البيت فيما اطلعت عليه.
٣ أخرجه مسلم في صحيحه، ١٦/٣٨١، البر والصلة، باب من يتقى شره، بلفظ: "إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه أو تركه الناس اتقاء فحشه. وعند الإمام أحمد في مسنده ٢/٣٧٨ رواية: "شركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره".
وعند الهيثمي في المجمع ٨/١٨٣: " ... شراركم من يتقى شره ولا يرجى خيره ... " قال: رواه أبو يعلى وفيه مبارك بن سحيم وهو متروك.

<<  <  ج: ص:  >  >>