للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلام، والتزام شرائعه وأحكامه، فحصل التأييد من الله لمن قام بدينه، فجاهدوا الأعراب وغيرهم على طاعة ربهم، والتزام ما شرعه؛ فبقوا على جهاد الأعراب، كلما أسلمت قبيلة جاهدوا بها الأخرى، فما زالوا يجاهدونهم على أن يسلموا ويُصَلُّوا ويزكُّوا، وأكثرهم ألقى السلم لأهل الإسلام، لكن بقي من البغي والظلم والعدوان على من قدروا عليه واستضعفوه، ممن قد دخل فيما قد دخلوا فيه من الإسلام ١. فكل من نهب أو قطع طريقا أو قتل، استند إلى قبيلة، فلا يقدر أحد من ولاة الأمر أن يأخذ الحق منهم والحالة هذه؛ فلو تركوا رأسا ولم ينظر إلى جنايتهم، ونظر إلى جناية المباشر فقط، لفهم يفهمه بعض القاصرين من حديث: "لا يجني جان إلا على نفسه"٢، لضاعت حقوق الناس ودماؤهم وأموالهم، وعطلت القاعدة الشرعية، وقصر بالحديث عما يتناوله ويدل عليه عند إمعان النظر.

فعلى قدر ما أحدثوا من البغي والظلم والعدوان، والتعاون على ذلك؛ ساغ للأئمة أن يحبسوا ابن عمه، ليقوم بأداء ما وجب عليه من الحق، والطاعة في المعروف، من نصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، والبراءة من المحاربين وقطع السبيل.

ومثل هذه القبائل لما تركوا ما وجب من أمر الشارع، مع القدرة على القيام، ورضوا بمحاربة الله ورسوله، ساغ للأئمة ما ذكر؛ و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" ٣. وأيضا فلو خلوا بين أهل الإسلام، وبين هذا الجاني من أبناء عمهم، لتمكن المظلوم من أخذ حقه، ورد مظلمته؛ فهم قد آووا محدثا، وفي الحديث: "لعن الله من آوى محدثا"٤.


١ في "أ" و "ج": الاستسلام.
٢ سنن الترمذي، ٤/٤٠١، الفتن، باب ما جاء "دماؤكم وأموالكم عليكم حرام". سنن ابن ماجه، ٢/١٨٨، المناسك، باب الخطبة يوم النحر. قال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
٣ قاعدة أصولية. الإحكام في أصول الأحكام، لعلي بن أبي علي بن محمد الآمدي، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤٠٠هـ-١٩٨٠م، ١/١٥٧.
٤ هذا جزء من حديث واثلة، كنت عند علي بن أبي طالب، فأتاه رجل فقال: ما كان =

<<  <  ج: ص:  >  >>