للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان هو أول من أقعد فيه فلما دخلت المسامير في لحمه قال: آه، فقال له الخادم الموكّل بعذابه: أما سمعت أن من حفر لأخيه المؤمن بئرا أوقعه الله فيها، أما علمت أن من لا يرحم لا يرحم؟ فقال «٢٨٠» : وأيّ شيء نفع البرامكة وقد فعلوا من الخيرات ما فعلوا وكانت عاقبتهم مثل هذا، فقال له ذلك الخادم: يكفيهم ذكرك لهم بفعل الجميل وأنت على مثل هذه الحال وهل يبقى بعد الإنسان [٥٠ أ] إلا ذكر جميل أو قبيح وهل بعد الموت سوى منزلين: إما الجنّة أو النار. وبيناهما في ذلك إذ اطلع عبادة المخنث «٢٨١» من روزنة البيت وكان نديما للمتوكل ومقرّبا عنده. فقال له: يا سيدي الوزير خبزوك في التنور الّذي أردت أن تخبز الناس فيه؟! وكان يقول المتوكل بعد قتله: لقد كان الملك مفتقرا إلى ابن الزيات وإنما وقف قبح أفعاله في وجهي فحملني على إهلاكه وكان أخى الواثق يعظّمه حتى بلغ من إعظامه لمكانه ورفعه لقدره أن أمر أن يضرب اسمه على الدنانير والدراهم ويكتب على الطرز والتراس والأعلام، إلا أنه لم يرتبط نعمة الله بالشكر، وبودى لو كان حيّا كنت أفزّع به الناس.

وكان المتوكل كريم الطبع سهل الحجاب مليح الأخلاق، وكان يقول: كانت الخلفاء قبلي تتصعّب على الرعية لتطيعها وأنا ألين لهم ليحبوني ويطيعوني «٢٨٢» ، وكان زمانه صافيا وأيامه لحسنها أعيادا، دانت له الدنيا شرقا وغربا وجبى إليه خراج الهند والصين والترك والزنج والحبشة وأقاصى ثغور المغرب وهو مقيم بسامراء يشرب ويلعب. وكان يركب في سبع مائة ألف فارس فإذا أراد النزول ترجّلوا أربعة أميال واجتاز فيما بينهم فارسا وحده. وبايع ثلاثة من أولاده وجعلهم ولاة العهود، وكان يوما مشهودا وذلك في يوم الاثنين غرّة المحرم سنة ست وثلاثين ومائتين، وهم: محمد ولقّبه المنتصر، والزبير ولقّبه المعتز، وإبراهيم [٥٠ ب] ولقّبه المؤيد، ونصب سماطا طوله أربعة فراسخ في البستان الّذي غرسه بسامراء ويعرف بالجعفري وكان طوله سبعة فراسخ ممتدا على شاطئ دجلة في عرض فرسخ «٢٨٣» . فقيل: إنه امتلأ ذلك اليوم

<<  <   >  >>