من الخلق ووضعت التماثيل العنبر والكافور ونوافج المسك بين أيدي الناس في جملة الرياحين والمشمومات وكانت تنقل من الخزائن بالزبل والغرائر، وكل من شرب قدحا تناول منها شيئا فشمّه وأدخله في كمّه أو سلّمه إلى غلامه. وكلما نفدت أعيد بدلها، هكذا من طلوع الشمس إلى غروبها، وكان المتوكل جالسا على سرير من ذهب مرصّع بالجواهر فيه ألف من وولاة العهود وقوف بين يديه وعليهم التيجان المرصعة والناس على طبقاتهم قعودا وقياما. وكان طلوع الشمس على الأواني الذهب التي في المجلس والمناطق الذهب والسيوف والتراس المحلاة بالذهب تختطف الأبصار. وفي ذلك اليوم قام إبراهيم بن العباس الصولي أمير الأهواز وأنشد بين السماطين:
أضحت عرى الإسلام وهي منوطة ... بالنصر والإعزاز والتأييد
«٢٨٤» بخليفة من هاشم وثلاثة ... كنفوا الخلافة من ولاة عهود
كنفتهم الآباء واكتنفت بهم ... فسعوا بأكرم أنفس وجدود
وفي سنة أربعين ومائتين مات القاضي ابن أبى دؤاد بعد ما فلج، وفي سنة إحدى وأربعين ومائتين مات الإمام أحمد بن حنبل [٥١ أ]- قدس الله روحه ونوّر ضريحه-.
وحيث ذكرنا دعوة الجعفري فنذكر دعوة بركوارا «٢٨٥» وهذه الدعوة اتخذها المتوكل حين طهّر المعتز بالموضع المعروف ببركوارا ونصب للمعتز منبر مرصع بالجواهر فصعد وخطب عليه. ونصب السماط على حافة دجلة وأكل الناس على طبقاتهم ثم قدّم مجلس الشرب فأمر المتوكل أن تنقل الدراهم والدنانير المختلطة في الغرائر وتصب قبايا بين أيدي الناس وأمر مناديا ينادى فيهم: كل من شرب قدحا فليحفن ثلاث حفنات، فكانوا كذلك إلى آخر النهار فكل ما فرغ مكان ملئوه. ثم أمر المتوكل حتى صبت الدراهم والدنانير في وسط المجلس بحيث حالت بينهم أن يرى بعضهم بعضا. ثم نادى مناد: إن أمير المؤمنين أباح لكم نهب هذا المال فليأخذ كل من أراد شيئا مما أراد فتناهبوها. وحين أظلم الليل أشعلت الشموع العنبر وكان في الجملة شمعة مثل النخلة وكانت على ساحل دجلة وإنسان من الجانب الآخر في ضوئها يقرأ كتابا.