وبعد فراغ المتوكل من هذا الطهر سأل شيخا قد شاهد أيام المأمون فقال له: أين دعوة بركوارا من دعوة فم الصلح؟ فقال: يا أمير المؤمنين أعفنى من جواب هذا الكلام. فقال له: والله لا أعفيك، وألحّ عليه وحلّفه برأسه فقال له: لا يمكنني ذكر التفضيل ولكنى أذكر جملة يستدل بها على ما وراءها: شاهدت في عرس بوران بفم الصلح على باب القرية كالجبل العظيم من القوانس [٥١ ب] والكبود للدجاج والبط والوز والحملان والصيود وأنواع الطير بحيث جاف العسكر واحتاج الحسن بن سهل إلى أن نفذ إلى البادية وأحضر جمال العرب لنقلها في مدة مديدة، وحين رميت في دجلة لم يمكن شرب الماء من دجلة أياما لنتن روائحها، وشاهدت خدمك وغلمانك في دعوة بركوارا يتخاصمون على القوانس والكبود. فقال المتوكل: الله أكبر ما تركوا لنا ما نذكر به.
ولما دخلت سنة سبع وأربعين قرأ «٢٨٦» المتوكل في كتب الملاحم أن العاشر من بنى العباس يقتل، وكان هو العاشر، فاغتم لذلك وتنغّص عيشه حتى قال له بعض جلسائه: يا أمير المؤمنين هذه كلها موضوعات أليس العاشر كان أخاك الواثق ومات على فراشه؟ قال: وكيف؟ قال: فجعلت أعدّهم عليه وعددت إبراهيم بن المهدي فيهم فطابت نفسه. وكان محمد المنتصر قد واطأ باغر «٢٨٧» التركي غلام المتوكل وجماعة من الغلمان على قتل المتوكل فلما كانت ليلة الأربعاء ثالث شوال سنة سبع وأربعين ومائتين كان المتوكل يشرب مع الفتح بن خاقان «٢٨٨» في رواق الجعفري «٢٨٩» ، ولما جنّ الليل غلّقت الأبواب كلها إلا باب الماء وهو الباب الّذي دخلوا عليه منه وكان المتوكل يأمر الغلمان والخدم أن يفزّعوا الجلساء والمطربين والمساخر بأشياء يعملونها من الطين والشمع والخرق على أشكال الحيّات والعقارب فلما كان في تلك [٥٢ أ] الليلة أقبل باغر من باب الماء ومعه عدد من الغلمان الذين كان واطأهم على قتل المتوكل وبأيديهم السيوف المسللة وبين أيديهم المشاعل والشموع، فحين رآهم الندماء والمطربون يقبلون من بعد ظنوا أنهم يريدون يفزعونهم فقالوا: مضت نوبة الحيّات والعقارب والليلة