وقوى أمر توزون ثم تواصلت رسل توزون إلى الخليفة يطلب منه الصلح «٥٠٥» وأن يعود الخليفة إلى دار الملك، فشرط الخليفة عليه أن ينتزح هو إلى واسط حتى يدخل الخليفة بغداد. فقال توزون: هذا الشرط لا التزمه لأني أريد أن أزيل عنى اسم العصيان فإذا انتزحت إلى واسط فالناس يرونني بعين عاص وأكون قد شهدت على نفسي بخلع الطاعة، ولكن إذا استقر في دار الخلافة يأمرني بما شاء حتى أنتهي إلى أمره. وأحضر الأمير توزون القضاة والعلماء والأشراف وحلف بمحضر من رسول المتقى على كل ما يريده ووقع الصلح وانصرف الناس مسرورين وذلك في يوم الاثنين حادي عشر ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مائة «٥٠٦» .
ولما كان في صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة صح عزم المتقى على دخول بغداد فركب توزون إلى دار الخلافة وأمر [٨٤ ب] بتجديد ما يحتاج إلى تجديده منها وعمارة ما تشعّث فيها وكان يتردّد بنفسه كل يوم دفعات إلى الدار. وحين قرب الخليفة من بغداد أمر توزون أن تنصب القباب كما نصبت في المرة الأولى ففعل ذلك وزيّنت بغداد وهو يتولّى ذلك بنفسه ولا يكله إلى أحد واختاروا لدخول المتقى يوم السبت تاسع عشر صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة. وخرج كل من ببغداد من القضاة والأشراف والعامة والتجار ولم يبق في البلد إلا شيخ مقعد أو زمن. فلما وصلوا إلى السندية أقاموا هناك ينتظرون وصول المتقى وهو على ستة فراسخ من بغداد. وركب الأمير توزون في أحسن زيّ وعدّة وحين توثّق الخليفة من توزون صرف جميع عساكر الشام وبقي في خواصه وخدمه. وحين أشرفت عمارية الخليفة عليهم قاموا كلهم ودعوا وكبّروا، وكان في عمارية مبطّنة بنمور أهداها إليه أبو بكر ابن طغج أمير مصر. فلما وقعت عليه عين توزون أكبّ على الأرض فقبّلها دفعات فقال له المتقى: لا تفعل يا أبا الوفاء ومشى بين يدي العمارية شوطا بعيدا فقال له:
اركب فركب. فلما قربوا من المضارب، وكان قد ضرب للخليفة سرادق أحمر ديباج جاء معه من الشام، أحدق ديلم توزون بعمارية الخليفة وعدلوا بها إلى مضارب توزون