على أبى مسلم وكانت هذه أول ما حصل في نفسه منه وأتبعها أبو مسلم بأمور أخرى أكّدت العداوة بينه وبينه حتى كان من أمره ما كان وسيأتي ذكره.
وخرج أبو مسلم في يومه من الكوفة ومضى على وجهه إلى خراسان وقد قوى بها أمر المسوّدة جدا وانتشرت الدعوة العبّاسية إلى أن صار في كل بلد من شيعة بنى العباس من يحمل السلاح أضعاف ما فيه من جند مروان فضلا عن العوام والرعاع فتواعدوا على قتل ولاة بنى أمية في سائر بلاد خراسان في يوم واحد. وذلك في مستهل ربيع الآخر سنة [١٢ أ] اثنتين وثلاثين ومائة. فثاروا في ذلك اليوم وقتل أهل كل بلد واليهم وصعدوا بالسواد إلى المنابر وخطبوا للإمام أبى العباس الهادي المهدي من آل محمد ووصل الخبر إلى مروان على البريد من العراق. فكتب إلى أمير الكوفة يأمره بقتل كلّ من يظفر به من ولد العباس فتطلبهم فلم يجد أحدا وأعماه الله عن بيت الباقلاني وذلك لما أراده الله تعالى من نصرة دينه وردّ الحق إلى مستحقّه ومستوجبه. ثم إن المسوّدة بخراسان اجتمعوا في سبعين ألف فارس وسبعين ألف راجل يحملون الرايات السود وذلك بمرو في جمادى الأولى وأبو مسلم قائدهم ومقدمهم. وقصدوا العراق وحين أحسّ بقدومهم أصحاب مروان تهاربوا ودخل أبو مسلم الكوفة في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين ومائة. وقصد دكان الباقلاني على عادته واصطحبا إلى السرداب وهما فيه على ما عهدهما فهنأهما بتمام الأمر وظهر من كان استتر من عمومتهما وجاءوا بأجمعهم إلى الجامع بالكوفة فأخذ أبو مسلم «٦٢» بيد أبى العباس ورقّاه المنبر ثم قال: يا أهل الكوفة ما رقى على منبركم هذا خليفة إلا أمير المؤمنين عليّ بن أبى طالب وهذا الإمام بعده. وصعد عمه داود بن عليّ وأخوه أبو جعفر على أربع درج من المنبر «٦٣» ووقفا هناك. وتكلم داود بن عليّ قبل السفاح «٦٤» وقال: الحمد للَّه والصلاة على نبيّه محمد وآله، إنّا والله ما خرجنا لنبنى [١٢ ب] عندكم قصرا ولا لنحفر في أرضكم نهرا ولا لنسير سيرة الجبابرة، والآن عاد الحق إلى نصابه وطلعت الشمس من مطلعها وأخذ القوس باريها وصار