للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاستركّ «٢٢١» الناس ذلك وقالوا: في مثل هذا العرس ينثر بنادق عنبر؟! وإذا بصائح يصيح من السطح: كل من وقعت بيده بندقة فليكسرها وكل ما وجد فيها فهو له.

فكسر الناس البنادق و [وجدوا] في وسط كل بندقة رقعة وفي الرقعة مكتوب ألف دينار وفي أخرى خمس مائة وهكذا إلى مائة، وفي بعضها فرس وفي بعضها قرية وفي بعضها عشرة أثواب من الديباج أو خمسة [٤٠ أ] وأقل أو أكثر وفي بعضها بستان وفي بعضها غلام وفي بعضها جارية، فكل من وقعت بيده رقعة حملها إلى الديوان وأخذ ما فيها. ولما كان ساعة الزفاف جلست بوران على حصير منسوج من الذهب، ودخل «٢٢٢» المأمون عليها ومعه عماته وعدة من نساء بنى هاشم فنثر الحسن بن سهل عليهما ثلاث مائة لؤلؤة وزن كل واحدة مثقال فما مدّ أحد يده إليه فقال المأمون لعماته:

أكرمن أبا محمد بلقطة ومدّ يده فأخذ منه واحدة فحينئذ مدوا أيديهم ولقطوه.

وقال المأمون: قاتل الله أبا نواس كأنه كان حاضرا مجلسنا هذا حيث قال في وصف الخمرة:

كأن صغرى وكبرى من فواقعها ... حصباء درّ على أرض من الذهب

ثم إن الحسن بن سهل بنى للمأمون في أيام كونه بفم الصلح القصر المعروف بالحسنى «٢٢٣» بالجانب الشرقي. وحين عاد المأمون من فم الصلح وبوران في صحبته نزل به وهو اليوم دار الخلافة ومن ذلك اليوم انتقل الخلفاء من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي. وامتدت أيام المأمون إلى سنة ثماني عشرة ومائتين.

فلما كان في هذه السنة غزا الروم وقهرهم وأخذ حصونهم وسبى ذراريهم وعاد من الغزو وأقام أياما بطرسوس وأعجبه المكان. ولما دخل رجب من هذه السنة خرج يوما إلى متنزه على باب طرسوس فرأى ماء جاريا وأشجارا مشتبكة ونسيما رقيقا، فقال لأصحابه: ننزل ونتغدّى [٤٠ ب] ها هنا. فقالوا: الصواب ما يراه أمير المؤمنين. فنزل ونزلوا وأمر فحمل الغداء إليه إلى ذلك الموضع فحين توسط الأكل قال: إن نفسي تطالبنى الآن برطب جنيّ ويكون أزاذ، فقالوا: يا أمير المؤمنين نحن في بلاد الروم من أين يكون ها هنا رطب أزاذ؟ فقال: نفسي كذا تطلب وهكذا تشتهي. فبينا هم في الحديث إذا سمعوا قعقعة جلاجل البريد الواصل

<<  <   >  >>