للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأتى سعد بن أبي وقاص بأبي مِحجن يوم القادسية وقد شرب الخمر، فأمر به إلى القيد، فلما التقى الناس قال أبو محجن:

كفى حزنًا أن تُطردَ الخيلُ بالقَنا … وأُترك مشدودًا عليَّ وثاقيا

فقال لابنة خَصْفة (١) امرأة سعد: أطلقيني ولك والله علي إن سلمني الله أن أرجع حتى أضع رجلي في القيد، فإن قُتلت استرحتُم مني، قال: فحَلَّته حتى التقى الناس.

وكانت بسعد جراحة فلم يخرج يومئذ إلى الناس، قال: وصعدوا به فوق العذيب ينظر إلى الناس، واستعمل على الخيل خالد بن عرفطة.

فوثب أبو مِحجن على فرس لسعد يقال لها البلقاءُ، ثم أخذ رمحًا، ثم خرج، فجعل لا يحمل على ناحية من العدو إلا هزمهم، وجعل الناس يقولون: هذا ملَكٌ، لما يرونه يصنع. وجعل سعد يقول: الضبْرُ (٢) ضَبْرُ البلقاء، والطعنُ طعنُ أبي محجن، وأبو محجن في القيد.

فلما هزم العدو رجع أبو محجن حتى وضع رجليه في القيد، فأخبرت ابنةُ خصفة سعدًا بما كان من أمره، فقال سعد: لا والله لا أضرب اليوم رجلًا أبلى للمسلمين ما أبلاهم، فخلى سبيله.

فقال أبو محجن: قد كنت أشربها إذ يقام علي الحدُّ وأطهَّر منها، فأما إذ بهْرَجْتَني (٣) فوالله لا أشربها أبدًا (٤).


(١) هذا هو الصواب وتتصحف كثيرًا إلى حفصة.
(٢) ضبر الفرس: إذا جمع قوائمه ووثب، ينظر: الكوكب الوهاج، الهرري (٤/ ٣٢٥).
(٣) وقوله: (إذ بهْرَجْتَني)، أي: أهدرتني بإسقاط الحدِّ عني، ومنه: (بهرج دم ابن الحارث)، أي: أبطله.
(٤) أخرجه سعيد بن منصور في سننه برقم (٢٥٠٢).

<<  <   >  >>