وأيضًا فإن استعمال الخمر في إطفاء الحريق ونحو ذلك، سلَّمه المنازعون، مع أن الأمر بمجانبة الخمر أعظم، فإذا جاز إتلاف الخمر بما فيه منفعة، فإتلاف النجاسات بما فيه منفعة أولى؛ ولأنهم سلموا جواز طعام الميتة للبزاة والصقور فاستعمالها في النار أولى.
وأما قول القائل: هذا مَظِنَّةُ ملابستها، فيقال: ملابسة النجاسة للحاجة جائز إذا طهر بدنه وثيابه عند الصلاة ونحوها، كما يجوز الاستنجاء بالماء مع مباشرة النجاسة، ولا يكره ذلك على أصح الروايتين عن أحمد، وهو قول أكثر الفقهاء.
والرواية الثانية يكره ذلك بل يستعمل الحجر، أو يجمع بينهما، والمشهور أن الاقتصار على الماء أفضل وإن كان فيه مباشرتها.
وفي استعمال جلود الميتة إذا لم يقل بطهارتها في اليابسات روايتان: أصحهما جواز ذاك، وإن قيل إنه يكره فالكراهة تزول بالحاجة.
وأما قوله: هذا يفضي إلى التلوث بدخان النجاسة، فهذا مبني على الأصل الثاني، وهو أن النجاسة في الملَّاحة إذا صارت ملحًا، ونحو ذلك، فهل هي نجسة أم لا؟ على قولين مشهورين للعلماء، هما روايتان عن أحمد نصَّ عليهما في الخنزير المشوي في التنور، هل تُطهِّر النار ما لصق به، أم يحتاج إلى غسل ما أصابه منه؟ على روايتين منصوصتين:
إحداهما: هي نجسة، وهذا مذهب الشافعي، وأكثر أصحاب أحمد، وأحد قولي أصحاب مالك، وهؤلاء يقولون: لا يطهر من النجاسة بالاستحالة إلا الخمرة المنتقلة بنفسها، والجلد المدبوغ إذا قيل إن الدبغ إحالة لا إزالة.
والقول الثاني: وهو مذهب أبي حنيفة، وأحد قولي المالكية، وغيرهم: إنها لا تبقى نجسة، وهذا هو الصواب، فإن هذه الأعيان لم يتناولها نصُّ التحريم، لا