للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمقصود: أن كل فعل جوِّز للضرورة إنما جاز ذلك الفعل بالقدر الذي يحصل به إزالة تلك الضرورة، ولا يجوز الزيادة عن هذا الحدّ، ومعرفة ذلك راجعة إلى المتضرر نفسه كما سبق.

فلا يباح للمضطر إلا بقدر ما يدفع الضرورة، وقيل: له أن يأكل الأكل الذي اعتاد عليه قبل الضرورة).

قال الشوكاني في حديث جابر بن سمرة السابق (١): (وقد أباح لهم مع ذلك الميتة، فكان دلالته أن تُتناول الميتة إلى أن تأخذ النفس حاجتها من القوت، كما ذهب إليه مالك والشافعي -رحمهما الله- في أحد قوليه.

والقول الراجح عند الشافعي هو الاقتصار على سدِّ الرَّمق كما نقله المزني وصححه الرافعي والنووي، وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك والهادوية ويدل عليه قوله: «هل عندك غنًى يغنيك» إذا كان يقال لمن وجد سدَّ رمقه مستغنيًا لغة أو شرعًا.

واستدل به بعضهم على القول الأول، قال: لأنه سأله عن الغنى ولم يسأله عن خوفه على نفسه، والآية الكريمة قد دلت على تحريم الميتة، واستُثني ما وقع الاضطرار إليه، فإذا اندفعت الضرورة لم يحل الأكل كحالة الابتداء.

ولا شك أن سد الرَّمَق يدفع الضرورة، وقيل إنه يجوز أكل المعتاد للمضطر في أيام عدم الاضطرار، قال الحافظ: وهو الراجح لإطلاق الآية.

واختلفوا في الحالة التي يصح فيها الوصف بالاضطرار ويباح عندها الأكل.


(١) ينظر: نيل الأوطار (٨/ ١٧٢).

<<  <   >  >>