للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما ينقض حكم الحاكم لتبين خطئه، والخطأ قد يكون في نفس الحكم بكونه خالف نصًّا أو شيئا مما تقدم، وقد يكون الخطأ في السبب كأن يحكم ببينة مزورة ثم يتبين خلافه، فيكون الخطأ في السبب لا في الحكم، وقد يكون الخطأ في الطريق، كما إذا حكم ببينة ثم بان فسقها. وفي هذه الثلاثة ينقض الحكم بمعنى أنا تبيَّنَّا بطلانه).

وقال النووي في آداب الفتوى (١): (إذا أفتى بشيء ثم رجع عنه فإن علم المستفتي برجوعه ولم يكن عمل بالأول لم يجز العمل به.

وكذا إن نكح بفتواه واستمر على نكاح بفتواه ثم رجع، لزمه مفارقتها كما لو تغير اجتهاد من قلده في القبلة في أثناء صلاته.

وإن كان عمل قبل رجوعه، فإن خالف دليلًا قاطعًا لزم المستفتي نقضُ عمله ذلك (٢)، وإن كان في محل اجتهاد لم يلزمه نقضه، لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد. وهذا التفصيل ذكره الصيمري والخطيب وأبو عمرو، واتفقوا عليه ولا أعلم خلافه وما ذكره الغزالي والرازي ليس فيه تصريح بخلافه).

وقال الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (٣): (وإن كان رجوع المفتي عن قوله الأول من جهة اجتهادٍ هو أقوى، أو قياس هو أولى لم ينقض العمل المتقدم (٤)، لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد).


(١) ينظر: آداب الفتوى والمفتي والمستفتي (ص ٣٥).
(٢) لوجود الدليل القاطع.
(٣) ينظر: الفقيه والمتفقه (٢/ ٤٢٦).
(٤) وإنما يعمل بالأقوى فيما بعد، فلو كان يصلي إلى غير القبلة باجتهاد وتغير اجتهاده باجتهاد أجلى وأوضح؛ فإن كان في الصلاة فإنه يتحول إلى ما ترجح لديه ولا يبطل الركعات التي صلاها بالاجتهاد الأول للقاعدة.

<<  <   >  >>