للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحن نقول: إن الإرسال لا يقدح، وإن الموقوف في هذا له حكم المرفوع، لأن إسقاط الواجب بعد ثبوته بشبهة خلاف مقتضى العقل؛ بل مقتضاه أن بعد تحقق الثبوت لا يرتفع بشبهة، فحيث ذكره صحابي حمل على الرفع.

وأيضًا في إجماع فقهاء الأمصار على أن: «الحدود تُدرأ بالشبهات» كفاية، ولذا قال بعض الفقهاء: هذا الحديث متفق عليه (١)، وأيضًا تلقته الأمة بالقبول.

وفي تتبع المروي عن النبي والصحابة ما يقطع في المسألة، فقد علمنا أنه قال لماعز: «لعلك قبلت، لعلك لمستَ، لعلك غمزتَ» (٢)، كل ذلك يلقنه أن يقول: نعم، بعد إقراره بالزنا، وليس لذلك فائدة إلا كونه إذا قالها ترك وإلا فلا فائدة.

ولم يقل لمن اعترف عنده بدين: لعله كان وديعة عندك فضاعت ونحوه، وكذا قال للسارق الذي جيء به إليه: «أسرقت ما إخاله سرق» (٣)، وللغامدية نحو ذلك، وكذا قال علي لشراحةَ على ما أسلفناه لعله وقع عليك وأنت نائمة، لعله استكرهك، لعل مولاك زوَّجك منه وأنت تكتُمينه (٤)، وتتبعُ مثلِه عن كل واحد يوجب طولًا.

فالحاصل من هذا كله كون الحد يُحتال في درئه بلا شك، ومعلوم أن هذه الاستفسارات المفيدة لقصد الاحتيال للدرء كلها كانت بعد الثبوت؛ لأنه كان


(١) أي: اتفق الأئمة من أصحاب المذاهب وغيرهم على قبوله والعمل به.
(٢) أخرجه البخاري برقم (٦٨٢٤).
(٣) أخرجه الحاكم في المستدرك برقم (٨١٥٠)، وعبد الرزاق في المصنف برقم (١٨٩٢٣).
(٤) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى برقم (١٦٩٦٣).

<<  <   >  >>