موانعه وحلَّ لكل منهما الانتفاع بالبدل، البائع بالثمن والمشتري بالمبيع. وكذلك لو عقد رجل وامرأة عقد نكاح بشروطه وقع صحيحًا، وحلَّ للرجل الاستمتاع بالمرأة، ووجب عليه نفقتُها وأحكام العقد.
وقد خطأ ابن القيم ﵀ من اعتقد أن عقود المسلمين وشروطهم ومعاملاتهم كلها على البطلان حتى يقوم دليل على الصحة، فإذا لم يقم عندهم دليل على صحة شرط أو عقد أو معاملة استصحبوا بطلانَه، فأفسدوا بذلك كثيرًا من معاملات الناس وعقودهم وشروطهم بلا برهان من الله بناء على هذا الأصل.
ثم قال (١): (وجمهور الفقهاء على خلافه، وأن الأصل في العقود والشروط الصحة إلا ما أبطله الشارع أو نهى عنه.
وهذا القول هو الصحيح؛ فإن الحكم ببطلانها حكم بالتحريم والتأثيم، ومعلوم أنه لا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله ﷺ، ولا تأثيم إلا ما أثَّم الله ورسوله ﷺ به فاعله، كما أنه لا واجب إلا ما أوجبه الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله، ولا دين إلا ما شرعه. فالأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليل على الأمر، والأصل في العقود والمعاملات الصحة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم.
والفرق بينهما: أن الله سبحانه لا يعبد الا بما شرعه على ألسنة رسله، فإن العبادة حقه على عباده، وحقُّه الذي أحقه هو ورضي به وشرعه، وأما العقود والشروط والمعاملات فهي عفوٌ حتى يحرمَها.
ولهذا نعى الله سبحانه على المشركين مخالفة هذين الأصلين -وهو تحريم ما لم يحرمْه، والتقرب إليه بما لم يشرعه- وهو سبحانه لو سكت عن
(١) ينظر: إعلام الموقعين، ابن القيم (١/ ٢٥٩)، وينظر: القواعد النورانية، ابن تيمية (ص ١٥٣).