للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك أصحاب الإمام أحمد صرَّحوا باعتبار النية وحمل اليمين على مقتضاها، فإن عدمت رجع إلى سبب اليمين وما هيجها، فحمل اللفظ عليه؛ لأنه دليل على النية.

حتى صرح أصحاب مالك فيمن دفن مالًا ونسي مكانه فبحث عنه فلم يجده، فحلف على زوجته أنها هي التي أخذته، ثم وجده لم يحنث، قالوا: لأن قصده ونيته إنما هو إن كان المال قد ذهب فأنت التي أخذتيه؛ فتأمل كيف جعلوا القصد والنية في قوة الشرط، وهذا هو محض الفقه (١).

ونظير هذا: ما لو دُعي إلى طعام فظنه حرامًا فحلف لا أطعمه، ثم ظهر أنه حلال لا شبهة فيه، فإنه لا يحنث بأكله؛ لأن يمينه إنما تعلقت به إن كان حرامًا وذلك قصده.

ومثله: لو مرَّ به رجل فسلم عليه فحلف لا يردُّ ؛ لظنِّه أنه مبتدع أو ظالم أو فاجر، فظهر أنه غير ذلك الذي ظنه لم يحنث بالردِّ عليه.

ومثله: لو قدمت له دابة ليركبها فظنَّها قطوفًا (٢) أو جموحًا أو متعسرة الركوب، فحلف لا يركبها، فظهرت له بخلاف ذلك لم يحنث بركوبها.

وقال أبو القاسم الخِرَقي في مختصره: ويرجع في الأيمان إلى النية؛ فإن لم ينو شيئًا رجع إلى سبب اليمين وما هيَّجها (٣). وقال أصحاب الإمام أحمد: إذا دُعي


(١) ينظر: التبصرة للخمي (٤/ ١٧٤٩)، وجامع الأمهات، ابن الحاجب (ص ٢٣٦)، والتاج والإكليل، الغرناطي (٤/ ٤٨١).
(٢) دابة قطوف: أي بطيئة متقاربة الخطى في البطء.
(٣) ينظر: مختصر الخرقي (ص ١٥١)، والمغني، ابن قدامة (٩/ ٥٦٤)، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي (٧/ ١٥٥).

<<  <   >  >>