للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النافع للمستمع هو ما عقل به ما يسمعه وفقهه وعمل بمقتضاه، فمن فقد هذا كان كالأصم الذي لا يسمع).

وقد ذكر السيوطي أن هذه القاعدة تجري أيضًا في علم العَروض، فإن الشعر عند أهله: كلام موزون مقصود به ذلك: أما ما يقع موزونًا اتفاقًا، لا عن قصد من المتكلم، فإنه لا يسمى شعرًا، وعلى ذلك خرج ما وقع في كلام الله تعالى كقوله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢]، أو كلام رسول الله كقوله: «هل أنتِ إلا إصبع دميتِ، وفي سبيل الله ما لقيتِ» (١).

وهذه القاعدة أيضًا من أهم قواعد الحنفية التي ذكروها في إبطال الشرك وإن سمي بغير اسمه، وفرعوا عليها عدة أحكام، وقالوا: إنما يبنى اللفظ على المقصود لا على ظاهر اللفظ.

فلما كان قصد القبورية من زياراتهم للقبور؛ الطواف بها، وأكل ترابها، والتمسح والتبرك بها، والنذر لها، ودعاء أهلها، وطلب الحوائج وكشف الكرب منهم، كان ذلك شركًا صريحًا، وإن تستروا بستار التوسل، والكرامة، والولاية، والزيارة، لأن الأمور بمقاصدها.

قال شيخ القرآن الفنجفيري في الرد على المبتدعة والقبورية (٢): (وها أنا في زمان تبدلت الشريعة، وجعلوا العبادة ذريعة للمعيشة، ووضعوا الألفاظ الصحيحة للنية الردية، فاستحلوا الرشوة باسم الهدية، والقتل بالرهبة، والزنى بالنكاح، والربا بالمنافع، والمُغنِّي بالحادي، والمطرب بالقوَّال،


(١) أخرجه البخاري برقم (٢٨٠٢)، ومسلم برقم (١٧٩٦)، عن جندب بن سفيان .
(٢) ينظر: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية، الأفغاني (٢/ ٦١٨).

<<  <   >  >>