المسائل التي يتعلق بها الاحتياط الواجب وترك ما لا بأس به حذرًا مما به البأس، وذكر أن مدارها على ثلاثة قواعد:
الأولى: قاعدة اختلاط المباح بالمحظور حسًّا.
والثانية: قاعدة في اشتباه أحدهما بالآخر والتباسه به على المكلف.
والثالثة: قاعدة في الشك في العين الواحدة هل هي قسم من المباح أم قسم من المحظور، فهذه القواعد الثلاث هي معاقد هذا الباب.
ثم قال ﵀: (فأما القاعدة الأولى وهي اختلاط المباح بالمحظور حسًّا فهي قسمان:
أحدهما: أن يكون المحظور محرمًا لعينه كالدم والبول والخمر والميتة.
والثاني: أن يكون محرمًا لكسبه لا أنه حرام في عينه كالدرهم المغصوب مثلا، فهذا القسم الثاني لا يوجب اجتناب الحلال ولا تحريمه ألبتة، بل إذا خالط ماله درهمٌ حرام أو أكثر منه أخرج مقدار الحرام وحلَّ له الباقي بلا كراهة، سواء كان المخرج عين الحرام أو نظيره، لأن التحريم لم يتعلق بذات الدرهم وجوهره، وإنما تعلق بجهة الكسب فيه، فإذا خرج نظيره من كل وجه لم يبق لتحريم ما عداه معنى، هذا هو الصحيح في هذا النوع، ولا تقوم مصالح الخلق إلا به.
وأما القسم الأول: وهو الحرام لعينه كالدم والخمر ونحوهما فهذا إذا خالط حلالا وظهر أثره فيه حرُم تناول الحلال ولا نقول أنه صير الحلال حرامًا، فإن الحلال لا ينقلب حرامًا ألبتة ما دام وصفه باقيًا، وإنما حرم تناوله لأنه ما تعذر الوصول إليه إلا بتناول الحرام، فلم يجز تناوله، وهذه العلة بعينها