قلت: وهذا كما لو اشترى ثوبًا لا يعلم حاله، جاز له أن يصلي فيه اعتمادًا على غلَبةِ ظنه وإن كان نجسًا في نفس الأمر، فكذلك إذا أداه اجتهاده إلى طهارة أحد الثوبين وغلب على ظنه، جاز أن يصلي فيه وإن كان نجسًا في نفس الأمر، فالمؤثر في بطلان الصلاة العلم بنجاسة الثوب لا نجاسته المجهولة، بدليل ما لو جهلها في الصلاة ثم علمها بعد الصلاة لم يعد الصلاة، فهذا القول ظاهر جدًّا وهو قياس المذهب.
وقيل يراعى في ذلك جانب المشقة، فإذا كثرت الثياب اجتهد في أحدها، وإن قلَّت صلى بعدد الثياب النجسة وزاد صلاة، وهو اختيار ابن عقيل.
ومن هذا الباب ما لو استيقظ فرأى في ثوبه بللًا واشتبه عليه أمني هو أم مذي ففي هذه المسألة قولان في كل مذهب من المذاهب الأربعة، إلا أن أصحاب الإمام أحمد ﵁ قالوا: إن سبق منه سبب يمكن إحالة كونه مذيًا عليه، مثل القبلة والملاعبة والفكر مع الانتشار فهو مذي، إذ الظاهر أن الذكر بعد ذلك إنما انكسر به فهو المتيقن، وما زاد عليه فمشكوك فيه، فلا يجب عليه غُسلٌ بالشك.
وإن لم يتقدم منه شيء من ذلك فهو مني في الحكم، إذ هو الغالب على النائم، ولم يتقدم سبب يعارضه، والنوم فيه مَظِنة الاحتلام، وقد قام شاهد المَظنة ظاهر القياس بموجب شهادته، وقوة هذا المسلك مما لا يخفي على منصف.
ومن هذا الباب إذا اشتبهت عليه جهة القبلة ففيها ثلاثة أقوال:
أحدها: يجتهد ويصلي صلاة واحدة، هذا أصح الأقوال في المذاهب الأربعة وهو المشهور.