للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذهب أكثر العلماء إلى أنه لا يمنع فضل الماء الجاري والنابع مطلقًا، سواء قيل: إن الماء لمالك أرضه أم لا، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وغيرهم، والمنصوص عن أحمد وجوب بذله مجانًا بغير عوض للشرب، وسقي البهائم، وسقي الزروع، ومذهب أبي حنيفة والشافعي: لا يجب بذله للزروع.

وأما النهي عن منع النار، فحمله طائفة من الفقهاء على النهي عن الاقتباس منها دون أعيان الجمر، ومنهم من حمله على منع الحجارة المورية للنار، وهو بعيد، ولو حمل على منع الاستضاءة بالنار، وبذل ما فضل عن حاجة صاحبها بها لمن يستدفئ بها، أو ينضج عليها طعاما ونحوه، لم يبعد.

وأما الملح فلعله يحمل على منع أخذه من المعادن المباحة، فإن الملح من المعادن الظاهرة، لا يُملك بالإحياء ولا بالإقطاع، نصَّ عليه أحمد.

وفي سنن أبي داود (١): أن النبي أقطع رجلًا الملح، فقيل له: يا رسول الله، إنه بمنزلة الماء العِدِّ (٢)، فانتزعه منه.

ومما يدخل في عموم قوله : «لا ضرر»: أن الله لم يكلف عباده فعل ما يضرهم ألبتة، فإن ما يأمرهم به هو عين صلاح دينهم ودنياهم، وما نهاهم عنه هو عين فساد دينهم ودنياهم، لكنه لم يأمر عباده بشيء هو ضارٌّ لهم في أبدانهم أيضًا.


(١) أخرجه أبو داود برقم (٣٠٦٤)، والترمذي برقم (١٣٨٠)، وابن ماجه برقم (٢٤٧٥)، والنسائي في الكبرى برقم (٥٧٣٦)، وقال الترمذي: غريب.
(٢) قال الخطابي في معالم السنن (٣/ ٤٣): (وهذا يبين ما قلنا: من أن المعدن الظاهر الموجود خيره ونفعه لا يقطعه أحد، والماء العد هو الماء الدائم الذي لا ينقطع، وفيه من الفقه: أن الحاكم إذا تبين الخطأ في حكم نقضه وصار إلى ما استبان من الصواب في الحكم الثاني).

<<  <   >  >>