فمن العلماء من جعل المعروف هو الواجب والمواساة مستحبة، وقد يقال: أحدهما تفسير للآخر.
وعلى هذا فالواجب هو الرزق والكسوة بالمعروف في النوع والقدر وصفة الإنفاق.
وإن كان العلماء قد تنازعوا في ذلك.
أما (النوع) فلا يتعين أن يعطيها مكيلًا كالبر، ولا موزونًا كالخبز، ولا ثمن ذلك كالدراهم؛ بل يرجع في ذلك إلى العرف، فإذا أعطاها كفايتها بالمعروف مثل أن يكون عادتهم أكل التمر والشعير فيعطيها ذلك، أو يكون أكل الخبز والإدام فيعطيها ذلك، وإن كان عادتهم أن يعطيها حبًّا فتطحنه في البيت فعل ذلك، وإن كان يطحن في الطاحون ويخبز في البيت فعل ذلك، وإن كان يخبز في البيت فعل ذلك، وإن كان يشتري خبزًا من السوق فعل ذلك.
وكذلك الطبيخ ونحوه فعلى ما هو المعروف فلا يتعين عليه دراهم ولا حبات أصلًا؛ لا بشرع ولا بفرض؛ فإن تعينَ ذلك دائمًا من المنكر ليس من المعروف، وهو مضر به تارة وبها أخرى.
وكذلك (القدر) لا يتعين مقدار مطرد؛ بل تتنوع المقادير بتنوع الأوقات.
وأما (الإنفاق) فقد قيل: إن الواجب تمليكها النفقة والكسوة، وقيل: لا يجب التمليك، وهو الصواب؛ فإن ذلك ليس هو المعروف؛ بل عُرف النبيِّ ﷺ والمسلمين إلى يومنا هذا؛ أن الرجل يأتي بالطعام إلى منزله فيأكل هو وامرأته ومملوكه: تارة جميعًا، وتارة أفرادًا، ويفضل منه فضل تارة فيدخرونه، ولا يعرف المسلمون أنه يملكها كل يوم دراهم تتصرف فيها تصرف المالك؛ بل من عاشر امرأة بمثل هذا الفرض كانا عند المسلمين قد تعاشرا بغير