للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ألا ثكلتْك اليوم أمُّك مالكا … جويريةٌ ألهاك منها التكلُّمُ

فمازلت بطالا بها طولَ ليلةٍ … تنال بها حظًّا جسيمًا وتغنَمُ) (١)

وأما الطاعات والمكاره، فإن تعبها يزول، ويبقى أجرها وثوابها حتى يدخل صاحبها الجنة، وفي الحديث عن أنس بن مالك ، قال: قال رسول الله : «يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا، والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا، من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا، والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط» (٢).

من فوائد الحديث:

أولًا: أنَّ الجنة لا تُنال إلا بالصبر على المكاره، ولذلك كان السلف لا يحبون البقاء في الدنيا إلا لمكابدة الطاعات، وكانوا يجدون في ذلك أعظم اللذة والنعيم.

وروى ابن المبارك في الزهد أن أبا الدرداء قال: (لولا ثلاث ما أحببت البقاء: ساعة ظمأ الهواجر، والسجود في جوف الليل، ومجالسة أقوام ينتقون جيد الكلام كما ينتقى أطايب الثمر) (٣).


(١) ينظر: روضة المحبين لابن القيم (ص ٣٣٠).
(٢) أخرجه مسلم برقم (٢٨٠٧).
(٣) ينظر: الزهد لابن المبارك (١/ ٩٤) برقم (٢٧٧)، وأورده أحمد في الزهد برقم (٧٢٢) بلفظ: «لولا ثلاث لأحببت أن أكون، في بطن الأرض لا على ظهرها؛ لولا إخوان لي يأتوني ينتقون طيب الكلام كما ينتقى طيب التمر، أو أعفر وجهي ساجدا لله ﷿، أو غدوة أو روحة في سبيل الله ﷿».

<<  <   >  >>