للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التعزيم، وسميت بذلك: لأنها تنشر عن صاحبها، أي: تخلي عنه، وقال الحسن: هي من السحر. قال القاضي: وهذا محمول على أنها أشياء خارجة عن كتاب الله تعالى وأذكاره، وعن المداواة المعروفة التي هي من جنس المباح.

وقد اختار بعض المتقدمين هذا، فَكَرِهَ حل المعقود عن امرأته، وقد حكى البخاري في صحيحه عن سعيد بن المسيب ؛ أنه سئل عن رجل به طب، أي: ضرب من الجنون، أو يؤخذ عن امرأته، أيخلى عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الصلاح، فلم ينه عما ينفع.

وممن أجاز النشرة الطبري وهو الصحيح (١)، قال كثيرون أو الأكثرون: يجوز الاسترقاء للصحيح، لما يَخَافُ أن يغشاه من المكروهات والهوام، ودليله أحاديث، ومنها حديث عائشة في صحيح البخاري: «كان النبي إذا أوى إلى فراشه تفل في كفِّه، ويقرأ: قل هو الله أحد والمعوذتين، ثم يمسح بها وجهه، وما بلغت يده من جسده»).

قال ابن الملقن (٢): (وقال أبو الحسن القابسي: معنى «لا يسترقون»: يريد به الذي كانوا يسترقون به في الجاهلية مما ليس في كتاب الله، وهو ضرب من السحر، فأما الاسترقاء بكتاب الله فقد فعله وأمر به، وليس بمخرج عن التوكل؛ لأن الثقة بالله: الاعتماد في الأمور عليه، وتفويض كل ذلك -بعد استفراغ الوسع في السعي فيما بالعبد الحاجة- إليه في أمر دينه


(١) قال الإمام ابن القيم في مدارج السالكين (٤/ ٣٠١): (والنشرة: حل السحر عن المسحور، وهي نوعان: حل سحر بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان؛ فإن السحر من عمل فيتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور، والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة، فهذا جائز، بل مستحب، وعلى النوع المذموم يحمل قول الحسن: لا يحل السحر إلا ساحر).
(٢) ينظر: التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن (٢٧/ ٤٠٩).

<<  <   >  >>