للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودنياه، على ما أمر به، لا كما قاله بعض الصوفية: إن التوكل حدُّه الاستسلام للسباع، وترك الاحتراز من الأعداء، ورفض السعي للمعايش والمكاسب، والإعراض عن علاج العلل، تمسكًا بقوله: «ولا يكتوون» (١)، الحديث.

ومعناه: معتقدين أن الشفاء والبرء في الكي وغيره دون إذن الله بالشفاء، وأما من اكتوى معتقدًا إذا شفي أن الله هو الذي شفاه فهو المتوكل على ربه).

رأي شيخ الإسلام ابن تيمية ورد الحافظ ابن حجر :

ولشيخ الإسلام (٢) رأي في لفظة: «لا يرقون»، التي انفرد بها مسلم في صحيحه، فقد رأى أن هذه اللفظة غلط من الراوي وأن أصلها: «لا يكتوون»، لأن رقية الإنسان نفسه وغيره لا تنافي التوكل، بل هي من اللجوء إلى الله تعالى.

قال الحافظ ابن حجر (٣): (وقد أنكر الشيخ تقي الدين ابن تيمية هذه الرواية، وزعم أنها غلط من راويها، واعتل بأن الراقي يُحسن إلى الذي يرقيه، فكيف يكون ذلك مطلوب الترك؟

وأيضًا فقد رقى جبريل النبي (٤)، ورقى النبي أصحابه، وأذن لهم في الرقى، وقال: «من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل» (٥)، والنفع مطلوب.

قال: وأما المسترقي، فإنه يسأل غيره ويرجو نفعه، وتمام التوكل ينافي ذلك.


(١) هذه اللفظة جاءت في الصحيحين؛ البخاري برقم (٥٧٠٥ - ٥٧٥٢)، ومسلم برقم (٢١٨).
(٢) ينظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (١/ ٣٢٨)، واقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (٢/ ٣٦٧).
(٣) ينظر: فتح الباري لابن حجر (١١/ ٤٠٨).
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) تقدم ذكره في الهامش.

<<  <   >  >>