للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال نعم، قالت: إذن لا يضيِّعنا. ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثَّنِيةِ (١) حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الكلمات، ورفع يديه فقال: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ حتى بلغ: ﴿لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ [إبراهيم: ٣٧]).

وجعلت أم إسماعيل تُرضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السِّقاء عطشت وعطش ابنُها، وجعلت تنظر إليه يتلوى، أو قال يتلبط (٢)، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعِها (٣)، ثم سعت سعيَ الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا، ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس : «قال النبي : «فذلك سعيُ الناس بينهما».

فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا، فقالت: صَهٍ (٤) -تريد نفسها-، ثم تسمَّعت، فسمعت أيضًا، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غِوَاثٌ (٥)، فإذا هي بالملَك عند موضع زمزم، فبحث بعَقِبِه، أو قال: بجناحِه، حتى ظهر الماءُ،


(١) الثنية: مكان مرتفع في جبل بأعلى مكة حيث دخل النبي مكة. ينظر: العين للفراهيدي (٨/ ٢٤٣).
(٢) يتلبط: أي: يتقلب في الأرض. ينظر: تهذيب اللغة للهروي (١٣/ ٢٣٩).
(٣) رفعت طرف درعها: أي قميصها، لئلا تعثر في ذيله. ينظر: مختارالصحاح للرازي (١/ ١٠٤).
(٤) صه: اسم فعل أمر، أي: اسكت. ينظر: تهذيب اللغه للهروي (٥/ ٢٢٩).
(٥) إن كان عندك غواث: إن كان عندك خير يستغاث به. ينظر: لسان العرب لابن منظور (٢/ ١٧٤).

<<  <   >  >>