فإن قلت: فعلى ما يحمل ما تقدّم من الآيات القاضية بأن الأجل لا يتقدم، ولا يتأخّر، ومن ذلك قوله ﷿: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾.
قلت: قد أجاب عن ذلك بعض السلف ﵏، وتبعه الخلف، بأن هذه الآية مختضة بالأجل إذا حضر، فإنه لا يتقدّم، ولا يتأخّر عند حضوره.
ويؤيد هذا أنها مقيدة بذلك، فإنه قال: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ﴾، ومثل هذا التقييد المذكور في هذه الآية قوله ﷿: ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، وقوله ﷿: ﴿إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ﴾ [نوح: ٤]، فقد أمكن الجمع بحمل هذه الآيات على هذا المعنى، فإذا حضر الأجل لم يتقدّم، ولم يتأخر، وفي غير هذه الحالة يجوز أن يؤخّره اللَّه بالدعاء، أو بصلة الرحم، أو بفعل الخير، ويجوز أن يقدم لمن عمل شرًّا، أو قطع ما أمر اللَّه به أن يوصل، وانتهك محارم اللَّه ﷿.
فإن قلت: فعلى ما يحمِل قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ [الحديد: ٢٢]، وقوله: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ [التوبة: ٥١]، وكذلك معنى ما ورد في هذا المعنى؟
قلت: هذه أوّلًا: معارضة بمثلها، مثل قوله ﷿: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: ٣٠]، ومثل ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح القدسيّ:«يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد اللَّه، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومنّ إلا نفسه»(١).