للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرسول لكن خفي عليه الحق في نفس الأمر، وقد اتقى الله ما استطاع؛ فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه، بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به ربه.

ولكن من علم أن هذا خطأ فيما جاء به الرسول ، ثم اتبعه على خطئه وعدل عن قول الرسول ، فهذا له نصيب من هذا الشرك الذي ذمَّه الله، لا سيما إن اتبع في ذلك هواه، ونصره باللسان واليد، مع علمه بأنه مخالف للرسول ؛ فهذا شرك يستحق صاحبه العقوبة عليه.

ولهذا اتفق العلماء على أنه إذا عرف الحق لا يجوز له تقليد أحد في خلافه، وإنما تنازعوا في جواز التقليد للقادر على الاستدلال، وإن كان عاجزًا عن إظهار الحق الذي يعلمه؛ فهذا يكون كمن عرف أن دين الإسلام حق وهو بين النصارى، فإذا فعل ما يقدر عليه من الحق؛ لا يؤاخذ بما عجز عنه، وهؤلاء كالنجاشي وغيره.

وقد أنزل الله في هؤلاء آيات من كتابه كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ﴾ [آل عمران: ١٩٩]، وقوله: ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٩]، وقوله: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ﴾ [المائدة: ٨٣].

وأما إن كان المتبع للمجتهد عاجزًا عن معرفة الحق على التفصيل، وقد فعل ما يقدر عليه مثله من الاجتهاد في التقليد؛ فهذا لا يؤاخذ إن أخطأ، كما في القبلة.

وأما إن قلد شخصًا دون نظيره بمجرد هواه، ونصره بيده ولسانه من غير علم أن معه الحق؛ فهذا من أهل الجاهلية، وإن كان متبوعه مصيبًا؛ لم يكن عمله صالحًا، وإن كان متبوعه مخطئًا؛ كان آثما، كمن قال في القرآن برأيه؛ فإن أصاب فقد أخطأ، وإن أخطأ فليتبوأ مقعده من النار.

<<  <   >  >>