للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال النووي (١): (قال الخطابي: هو تحقيق الظن وتصديقه دون ما يهجس في النفس، فإن ذلك لا يملك، ومراد الخطابي: أن المحرم من الظن ما يستمر صاحبه عليه ويستقر في قلبه دون ما يعرض في القلب ولا يستقر، فإن هذا لا يكلف به كما سبق في حديث: «تجاوز الله تعالى عما تحدَّثت به الأمة ما لم تتكلم أو تعمد»، وسبق تأويله على الخواطر التي لا تستقر. ونقل القاضي عن سفيان أنه قال الظن الذي يأثم به هو ما ظنه وتكلم به؛ فإن لم يتكلم لم يأثم).

وقال ابن حجر (٢): (قال القرطبي: المراد بالظن هنا التهمة التي لا سبب لها، كمن يتهم رجلًا بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها، ولذلك عطف عليه قوله: «ولا تجسسوا»، وذلك أن الشخص يقع له خاطر التهمة، فيريد أن يتحقق فيتجسس، ويبحث ويستمع، فنهى عن ذلك.

وهذا الحديث يوافق قوله تعالى: ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [الحجرات: ١٢]، فدل سياق الآية على الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة؛ لتقدم النهي عن الخوض فيه بالظن.

فإن قال الظانُّ: أبحث لأتحقق، قيل له: «ولا تجسسوا».

فإن قال: تحققت من غير تجسس، قيل له: «ولا يغتب بعضكم بعضًا».

وقال عياض: استدل بالحديث قوم على منع العمل في الأحكام بالاجتهاد والرأي، وحمَله المحققون على ظن مجرد عن الدليل، ليس مبنيًّا على أصل ولا تحقيق نظر.


(١) ينظر: شرح النووي على مسلم (١٦/ ١١٩)، وكشف المشكل لابن الجوزي (٣/ ٥١٤).
(٢) ينظر: فتح الباري لابن حجر (١٠/ ٤٨١، ٤٨٢).

<<  <   >  >>