وقوله:«فإن الظن أكذب الحديث»: قد استشكلت تسمية الظن حديثًا، وأجيب بأن المراد: عدم مطابقة الواقع؛ سواء كان قولًا أو فعلًا، ويحتمل أن يكون المراد ما ينشأ عن الظن، فوصفُ الظن به مجازًا.
النهي عن التجسس والتحسس:
وقوله:«ولا تحسسوا ولا تجسسوا»: إحدى الكلمتين بالجيم والأخرى بالحاء المهملة، وفي كل منهما حذف إحدى التاءين تخفيفًا، وكذا في بقية المناهي التي في حديث الباب، والأصل تتحسسوا. قال الخطابي: معناه: لا تبحثوا عن عيوب الناس، ولا تتبعوها، قال الله تعالى حاكيًا عن يعقوب ﵇: ﴿يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾.
وأصل هذه الكلمة التي بالمهملة من الحاسَّة، إحدى الحواس الخمس، وبالجيم من الجس، بمعنى: اختبار الشيء باليد، وهي إحدى الحواس، فتكون التي بالحاء أعم. وقال إبراهيم الحربي: هما بمعنى واحد، وقال ابن الأنباري: ذكر الثاني للتأكيد كقولهم بعدًا وسخطًا، وقيل: بالجيم: البحث عن عوراتهم، وبالحاء: استماع حديث القوم، وهذا رواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أحد صغار التابعين.
وقيل: بالجيم: البحث عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في الشر، وبالحاء: البحث عما يدرك بحاسة العين والأذن ورجح هذا القرطبي.
وقيل: بالجيم: تتبع الشخص لأجل غيره، وبالحاء: تتبعه لنفسه وهذا اختيار ثعلب (١).
(١) ينظر: شرح النووي على مسلم (١٦/ ١٩)، وكشف المشكل لابن الجوزي (٢/ ٥١٤)، والتمهيد لابن عبد البر (١٨/ ٢١).