للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واغتنام دعاء من ترجى إجابته، وهذا نحو مما أمرنا النبي به من الدعاء له، والصلاة عليه وسؤال الوسيلة له، وإن كان النبي أفضل ولد آدم، وكذا ما يأتي من قوله لعمر : «أشركنا في دعائك يا أخي» (١).

ومما تميز به أويس هو التقلل من الدنيا والاكتفاء باليسير منها، والبعد عن زينتها وزهرتها، وكراهية الشهرة، وأن يعرف بين الناس بالصلاح، ولذلك لما قال له عمر : «ألا أكتب لك إلى عاملها»: أي: ليقوم بكفايتك من بيت مال المسلمين، رفض أويس هذا العرض، وقال: أكون في غبراء الناس أحب إلي، أي: مع البسطاء والفقراء، لا مع الأمراء والقادة.

وقول الآخر: «تركته رث الهيئة قليل المتاع»: كله دليل على احتقار أويس نفسه، وستره أمرَه.

وقوله في آخر خبره: «ففطن له الناس، فانطلق على وجهه»، أي: أخفى أمر نفسه لئلا يشتهر مخافة الفتنة (٢).

وقوله (٣): «ففطن له الناس، فانطلق على وجهه»: لا يخفى أن وجه خفائه؛ أنه كان مستجاب الدعوة في مادة الاستغفار، ولو كان ظاهرًا لتوجه إليه البر والفاجر، مستورًا أو غيره، فلا يمكنه الاستغفار للكل، ولا امتناعه عن البعض لما يوجب من الإيحاش وكشف الحال، والله أعلم بالأحوال).

وهذا الحديث يشير إلى أن مقياس التفاضل في الإسلام يتعلق بما في


(١) أخرجه الترمذي برقم (٣٥٦٢)، وأحمد في المسند برقم (١٩٥)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(٢) ينظر: إكمال المعلم للقاضي عياض (٧/ ٥٨٣).
(٣) ينظر: مرقاة المفاتيح للهروي (٩/ ٤٠٣٥).

<<  <   >  >>